نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ} (44)

ولما علم بهذا {[67695]}أنه سبحانه{[67696]} المتصرف وحده بما يشاء{[67697]} كيف يشاء من المنع والتمكين ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجد من تكذيبهم له - مع إتيانه بما لا يحتمل التكذيب بوجه - من المشقة ما لا يعلم مقداره إلا الله سبحانه وتعالى ، وكان علم المغموم{[67698]} بأن له منقذاً يخفف عنه ، وكان علمه باقتداره على ما يراد منه{[67699]} أقر لعينه سبب عن كمال اقتداره قوله مخففاً عنه عليه أفضل الصلاة والسلام ، لافتاً القول إلى التكلم بالإفراد تنصيصاً على المراد زيادة في{[67700]} تسكين القلب وشرح الصدر{[67701]} : { فذرني } أي اتركني على أي حالة اتفقت { ومن يكذب } أي يوقع التكذيب لمن يتلو ما جددت إنزاله من كلامي القديم على أي حالة كان إيقاعه ، وأفرد الضمير نصاً{[67702]} على تهديد كل واحد من المكذبين : { بهذا الحديث } أي بسببه{[67703]} أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليَّ ولا تكترث بشيء منه أصلاً فإني أكفيكهم لأنه لا{[67704]} مانع منهم فلا تهتم بهم{[67705]} أصلاً .

ولما كان كأنه قيل : وماذا تعمل فيه{[67706]} إذا خليت بينك وبينه{[67707]} ؟ أجابه بقوله جامعاً الضمير ليكون الواحد مهدداً من باب الأولى : { سنستدرجهم } أي فنأخذهم بعظمتنا {[67708]}عما قليل{[67709]} على غرة بوعد لا خلف فيه {[67710]}وندنيهم{[67711]} إلى الهلاك درجة درجة بواسطة من شئنا من جنودنا وبغير واسطة بما نواتر عليهم من النعم التي توجب عليهم{[67712]} الشكر فيجعلونها سبباً لزيادة الكفر فنوجب{[67713]} لهم النقم . ولما كان أخذ الإنسان من مأمنه على حالة غفلة بتوريطه في أسباب الهلاك لا يحس بالهلاك إلا وهو لا يقدر على التقصي فيها بوجه قال تعالى : { من حيث } أي من جهات { لا يعلمون * } أي لا يتجدد لهم علم ما في وقت من الأوقات بغوائلها{[67714]} ، وذلك أنه سبحانه يغرهم بالإمهال ولا يعاجلهم بالعقاب في وقت{[67715]} المخالفة كما يتفق لمن يراد به الخير فيستيقظ بل يمهلهم ويمدهم بالنعم حتى يزول عنهم خاطر التذكر فيكونوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة فيقولون : قد قلتم : إن القدر فائض عن القضاء وأن الأعمال قضاء{[67716]} وجزاءها قدر ، ويقولون : إن أفعالنا في الدنيا قبيبحة ونحن لا نرى جزاءها إلا ما يسرنا لولا يعذبنا الله بما نقول{[67717]} فأنتم كاذبون في توعدنا فإنا كلما أحدثنا ما تسمونه معصية تجددت لنا نعمة ، وذلك كما قادهم إلى تدريجهم وهم في غاية الرغبة{[67718]} ، قال القشيري : والاستدراج أن يريد السيىء ويطوي عن صاحبه وجه القصد حتى يأخذه بغتة فيدرج إليه شيئاً بعد شيء .


[67695]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبحانه إنه.
[67696]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبحانه إنه.
[67697]:- زيد في الأصل: أن من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67698]:- من م، وفي الأصل وظ: المعلوم.
[67699]:- زيد في الأصل، أو خرب، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67700]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[67701]:- من ظ وم وفي الأصل: الصدور.
[67702]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[67703]:-من ظ وم، وفي الأصل: سبب.
[67704]:- زيد من ظ وم.
[67705]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[67706]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيهم.
[67707]:- من ظ وم، وفي الأصل: بينهم.
[67708]:- من ظ وم، وفي الأصل: قليل بعظمتنا.
[67709]:- من ظ وم، وفي الأصل: قليل بعظمتنا.
[67710]:- من م، وفي الأصل وظ: فنذيهم.
[67711]:- من م، وفي الأصل وظ: فنذيهم.
[67712]:- زيد من ظ وم.
[67713]:- من ظ وم، وفي الأصل: فأوجب ذلك.
[67714]:- من ظ وم، وفي الأصل: بفائها.
[67715]:-العبارة من "في وقت" إلى هنا تكرر في الأصل فقط.
[67716]:- زيد من ظ وم.
[67717]:- زيد في الأصل: حسبهم فهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67718]:- زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.