معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

{ عليها تسعة عشر } أي : على النار تسعة عشر من الملائكة خزنتها : مالك ومعه ثمانية عشر . وجاء في الأثر : أعينهم كالبرق الخاطف ، وأنيابهم كالصياصي ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، نزعت منهم الرحمة ، يرفع أحدهم سبعين ألف فيرميهم حيث أراد من جهنم . قال عمرو بن دينار : إن واحداً منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر . قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك : لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم ، أي : الشجعان ، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم ؟ قال أبو الأشد أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، عشرة على ظهري وسبعة على بطني ، فاكفوني أنتم اثنين . وروي أنه قال : أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقوله تعالى : { عليها تسعة عشر } ابتداء وخبره مقدم في المجرور ، ولا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها ، وقد قال بعض الناس : إنهم على عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم لأن بها تقووا ، وروي أن قريشاً لما سمعت هذا كثر إلغاطهم{[11430]} فيه وقالوا : لو كان هذا حقاً ، فإن هذا العدد قليل ، فقال أبو جهل : هؤلاء تسعة عشر ، وأنتم الدهم{[11431]} ، أفيعجز عشرة منا عن رجل منهم ، وقال ابو الأشدي الجمحي{[11432]} : أنا أجهضهم{[11433]} على النار ، إلى غير هذا من أقوالهم السخيفة ، فنزلت في أبي جهل : { أولى لك فأولى }{[11434]} [ القيامة : 34-35 ] الآية ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن شبل «تسعْة عشر » بسكون العين ، وذلك لتوالي الحركات ، وقرأ أنس بن مالك وأبو حيوة «تسعةُ عشر » برفع التاء ، وروي عن أنس بن مالك أنه قرأ «تسعة أعشر » ، وضعفها أبو حاتم{[11435]} .


[11430]:ألغط القوم: صوتوا أصواتا مختلفة مبهمة لا تفهم.
[11431]:الدهم – بفتح الدال- العدد الكثير: يقال: جاء دهم من الناس، وجيش دهم أي كثير.
[11432]:في بعض النسخ: "أبو الأسود" وما أثبتناه، هنا يوافق ما في حاشية الجمل، واسمه أسيد بن كلدة الجمحي، كان شديد البأس، وكان من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم.
[11433]:أي أعجلهم عنها، وفي الحديث الشريف: "فأجهضوهم عن أثقالهم يوم أحد".
[11434]:الآية 24 من سورة القيامة.
[11435]:قال أبو الفتح في المحتسب: "تسعة عشر" بفتح هاء تسعة وسكون عين عشر- فلأجل كثرة الحركات ، وأن الاسمين جعلا كاسم واحد، فلم يوقف على الأول منهما فيحتاج إلى الابتداء بالثاني، فلما أمن ذلك أسكن تخفيفا أوله، وجعل ذلك أمارة لقوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه، وقال أبو حاتم في "تسعة أعشر": لا وجه له تعرفه، إلا أن يعني تسعة أعشر جمع العشر أو شيئا غير الذي وقع في قلوبنا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقوله : { عليها تسعة عشر } خبر رابع عن { سَقر } من قوله : { وما أدراك ما سقر } .

ومعنى { عليها } على حراستها ، ف ( على ) للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال : فلان على الشرطة ، أو على بيت المال ، أي يلي ذلك والمعنى : أن خزنة سقر تسعة عشر مَلَكاً .

وقال جمع : إن عدد تسعة عشر : هُم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم .

وقيل : تسعة عشر صِنفاً من الملائكة وقيل تسعة عشر صفّاً . وفي « تفسير الفخر » : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً : أحدها قول أهل الحكمة : إن سبب فساد النفس هو القُوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ، والشهوة والغضب ، فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والغاذية ، والنامية ، والمولِّدة ، فهذه سبعة ، فتلك تسعَ عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اه .

والذي أراه أن الملائكة التسعة عشر موزَّعون على دركات سقر أو جهنمَ لكل دَرك مَلك فلعل هذه الدركات معيَّن كل درك منها لأهل شعبة من شُعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } في سورة النساء ( 145 ) فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإله ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإِباحيةُ ولو مع إثبات الإله الواحد .

وفي ذكر هذا العدد تحدَ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } [ المدثر : 31 ] .

وقرأ الجمهور { تسعة عَشر } بفتح العين من { عَشر } . وقرأ أبو جعفر { تسعة عشر } بسكون العين من { عشْر } تخفيفاً لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة .