البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقرأ الجمهور : { تسعة عشر } مبنيين على الفتح على مشهور اللغة في هذا العدد .

وقرأ أبو جعفر وطلحة بن سليمان : بإسكان العين ، كراهة توالي الحركات .

وقرأ أنس بن مالك وابن عباس وابن قطيب وإبراهيم بن قنة : بضم التاء ، وهي حركة بناء عدل إليها عن الفتح لتوالي خمس فتحات ، ولا يتوهم أنها حركة إعراب ، لأنها لو كانت حركة إعراب لأعرب عشر .

وقرأ أنس أيضاً : تسعة بالضم ، أعشر بالفتح .

وقال صاحب اللوامح : فيجوز أنه جمع العشرة على أعشر ثم أجراه مجرى تسعة عشر ، وعنه أيضاً تسعة وعشر بالضم ، وقلب الهمزة من أعشر واواً خالصة تخفيفاً ، والباء فيهما مضمومة ضمة بناء لأنها معاقبة للفتحة ، فراراً من الجمع بين خمس حركات على جهة واحدة .

وعن سليمان بن قنة ، وهو أخو إبراهيم : أنه قرأ تسعة أعشر بضم التاء ضمة إعراب وإضافته إلى أعشر ، وأعشر مجرور منون وذلك على فك التركيب .

قال صاحب اللوامح : ويجيء على هذه القراءة ، وهي قراءة من قرأ أعشر مبنياً أو معرباً من حيث هو جمع ، أن الملائكة الذين هم على النار تسعون ملكاً .

انتهى ، وفيه بعض تلخيص .

قال الزمخشري : وقرىء تسعة أعشر جمع عشير ، مثل يمين وأيمن . انتهى .

وسليمان بن قنة هذا هو الذي مدح أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو القائل :

مررت على أبيات آل محمد *** فلم أر أمثالاً لها يوم حلت

وكانوا ثمالاً ثم عادوا رزية *** لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

{ عليها تسعة عشر } : التمييز محذوف ، والمتبادر إلى الذهن أنه ملك .

ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه أن المراد ملك حين سمعوا ذلك ؟ فقال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمّهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم ، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي ، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين ، فأنزل الله تعالى : { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } أي ما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون ، وأنزل الله تعالى في أبي جهل { أولى لك فأولى } وقيل : التمييز المحذوف صنفاً من الملائكة ، وقيل : نقيباً ، ومعنى عليها يتولون أمرها وإليهم جماع زبانيتها ، فالذي يظهر من العدد ومن الآية بعد ذلك ومن الحديث أن هؤلاء هم النقباء .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } ، وقوله عليه الصلاة والسلام :

« يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها » ؟ وقد ذكر المفسرون من نعوت هؤلاء الملائكة وخلقهم وقوتهم ، وما أقدرهم الله تعالى عليه من الأفعال ما الله أعلم بصحته ، وكذلك ذكر أبو عبد الله الرازي حكماً على زعمه في كون هؤلاء الملائكة على هذا العدد المخصوص يوقف عليها في تفسيره .