معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا} (2)

{ إنا خلقنا الإنسان } يعني ولد آدم ، { من نطفة } يعني : مني الرجل ومني المرأة . { أمشاج } أخلاط ، واحدها : مشج ومشيج ، مثل خدن وخدين . قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والربيع : يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما الولد ، فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له ، وما كان من عصب وعظم فهو من نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة . وقال الضحاك : أراد بالأمشاج اختلاف ألوان النطفة ، فنطفة الرجل بيضاء وحمراء وصفراء ، ونطفة المرأة خضراء وحمراء وصفراء ، وهي رواية الوالي عن ابن عباس . وكذلك قال الكلبي : قال : { الأمشاج } البياض في الحمرة والصفرة . وقال يمان : كل لونين اختلطا فهو أمشاج . وقال ابن مسعود : هي العروق التي تكون في النطفة . وقال الحسن : نطفة مشجت بدم ، وهو دم الحيضة ، فإذا حبلت ارتفع الحيض . وقال قتادة : هي أطوار الخلق نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظماً ثم يكسوه لحماً ثم ينشئه خلقاً آخر . { نبتليه } نختبره بالأمر والنهي ، { فجعلناه سميعاً بصيرا } قال بعض أهل العربية : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه ، لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا} (2)

وقوله تعالى : { إنا خلقنا الإنسان } هو هنا اسم الجنس بلا خلاف ، لأن آدم لم يخلق { من نطفة } ، و { أمشاج } معناه أخلاط وأحدها مَشَج بفتح الميم والشين قاله ابن السكيت وغيره ، وقيل : مشج مثل عدل وأعدال ، وقيل : مشيج مثل شريف وأشراف ، واختلف في المقصود من الخلط ، فقيل هو { أمشاج } ماء الرجل بماء المرأة ، وأسند الطبري حديثاً وهو أيضاً في بعض المصنفات «إن عظام ابن آدم وعصبة من ماء الرجل ، ولحمه وشحمه من ماء المرأة » وقيل هو اختلاط أمر الجنين بالنقلة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى غير ذلك . فهو أمر مختلط ، وقيل هو اختلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء فيه ، و { نبتليه } معناه نختبره بالإيجاد والكون في الدنيا هو حال من الضمير في { خلقنا } كأنه قال : مختبرين له بذلك ، وقوله تعالى : { فجعلناه } عطف جملة تعم على جملة تعم ، وقال بعض النحويين إنما المعنى فنبتليه جعلناه { سميعاً بصيراً } ، ثم ترتب اللفظ موجزاً متداخلاً كأنه قال { نبتليه } فلذلك جعلناه ، والابتلاء على هذا أنما هو بالإسماع والإبصار لا بالإيجاب وليس { نبتليه } حالاً .