الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا} (2)

{ نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } كبرمة أعشار ، وبرد أكياش : وهي ألفاظ مفردة غير جموع ، ولذلك وقعت صفات للأفراد . ويقال أيضاً : نطفة مشج ، قال الشماخ :

طَوَتْ أَحْشَاءُ مُرْتَجَةٍ لِوَقْتٍ *** عَلَى مَشَجٍ سُلاَلَتُهُ مَهِينُ

ولا يصحّ أمشاج أن يكون تكسيراً له ، بل هما مثلان في الإفراد ، لوصف المفرد بهما . ومشجه ومزجه : بمعنى . والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان . وعن ابن مسعود : هي عروق النطفة . وعن قتادة : أمشاج ألوان وأطوار ، يريد : أنها تكون نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة { نَّبْتَلِيهِ } في موضع الحال ، أي : خلقناه مبتلين له ، بمعنى : مريدين ابتلاءه ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، تريد : قاصداً به الصيد غداً . ويجوز أن يراد : ناقلين له من حال إلى حال ، فسمي ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة . وعن ابن عباس : نصرّفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة . وقيل : هو في تقدير التأخير ، يعني : فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه ، وهو من التعسف .