الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا} (2)

- ثم قال تعالى : ( إنا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه )

أي : إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة ، أي من ماء الرجل وماء المرأة . والنطفة كل ماء قليل في وعاء {[72210]} . و ( أمشاج ) : أخلاط {[72211]} .

يقال : مشجت هذا بهذا ، أي : خلطته {[72212]} . وواحد الأمشاج : مشيج {[72213]} ، مثل شريف وأشراف {[72214]} ، وقيل : مشج {[72215]} مثل عدل وأعدال {[72216]} .

وقال ابن عباس : المشجان {[72217]} : ماء الرجل وماء المرأة {[72218]} . وهو معنى قول مجاهد {[72219]} . والحسن {[72220]} وعكرمة {[72221]} وأكثر {[72222]} المفسرين .

وعن ابن عباس أيضا أن معنى { أمشاج } هو انتقاله من تراب ثم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك {[72223]} . وقاله أيضا عكرمة {[72224]} وقتادة {[72225]} .

وقيل : ( أمشاج ) هي العروق التي تكون في النطفة . روي ذلك عن ابن مسعود {[72226]} . وقاله أسامة بن زيد {[72227]} عن أبيه {[72228]} .

وقيل : الأمشاج هي ألوان النطفة ، ( نطفة الرجل تكون بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة تكون خضراء وحمراء ) {[72229]}/ ، [ روي ذلك عن ] {[72230]} مجاهد {[72231]} وقاله ابن نُجَيح {[72232]} .

فمن قال : إن الأمشاج انتقال النطفة إلى علقة ، ثم مضغة ، ثم غير ذلك ، فتقديره : من نطفة ذات أمشاج {[72233]} .

ومعنى {[72234]} ( نبتليه ) نختبره .

( فجعلناه سميعا بصيرا )

أي : ذا سمع وذا بصر لتقوم عليه الحجة . وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : إنا خلقنا الإنسان سميعا بصيرا من نطفة أمشاج لنختبره {[72235]} .

وقد رد [ عليه ] {[72236]} هذا لتقدير ، لأن الفاء {[72237]} لا يقع معها التقديم والتأخير . ولأن الكلام تام بغير تقديم وتأخير ، فلا يخرج عن ظاهره لغير علة {[72238]} .


[72210]:- انظر جامع البيان 29/203.
[72211]:- ث: اختلاط. وانظر معاني الفراء 3/214 والغريب لابن قتيبة 502 وجامع البيان 29/203.
[72212]:- انظر جامع البيان 29/203.
[72213]:- ث: مشج. وكلاهما صحيح. ففي معاني الزجاج 5/257 "مشج" وكذا حكاه ابن عطية في المحرر 16/183 عن ابن السكيت. وفي الغريب لابن قتيبة 502 "مشيج". وفي جامع البيان 29/203: "مشج ومشيج" وقال صاحب اللسان: (مشج): "المشْج والمِشجُ والمَشَجُ والمَشِيج: كلّ لونين اختلطا".
[72214]:- انظر إعراب النحاس 5/95 والمحرر 16/183.
[72215]:- ث: مشمج.
[72216]:- انظر إعراب النحاس 5/95 والمحرر 16/183.
[72217]:- ث: المشيجان.
[72218]:- انظر جامع البيان 29/204 وأخرجه أيضا عن الربيع بن أنس.
[72219]:- المصدر السابق.
[72220]:- المصدر السابق.
[72221]:- انظر المصدر السابق 29/203. وقاله الفراء في معانيه 3/214.
[72222]:- ث: وهو قول أكثر.
[72223]:- انظر جامع البيان 29/204 والدر 8/368.
[72224]:- المصدر السابق.
[72225]:- المصدر السابق
[72226]:- انظر: جامع البيان 29/205.
[72227]:- هو أبو محمد أسامة بن زيد بن حارثة، صحابي جليل، هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وابن مولاته وحِبُّه وابن حِبِّه، أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات على جيش فيه أبو بكر وعمر قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ومناقبه كثيرة جدا، (ت: 54ﻫ). انظر: المحبر: 128 وصفة الصفوة 1/521 وتهذيب الأسماء: 1/113 والإصابة 1/29.
[72228]:- ث: غرابيه وانظر قول ابن زيد في المصدر السابق.
[72229]:- ما بين قوسين ساقط من ث.
[72230]:- م: روى عن ذلك عن.
[72231]:- انظر: جامع البيان 29/205 وفي ص: 204 هو قول ابن عباس غير أنه لم يُفضِّل في بيان الألوان.
[72232]:- إنما وجدته في جامع البيان 29/205 راويا في هذه المسألة عن مجاهد لا قائلا.
[72233]:- هذا بيان لقول ابن عباس الذي سبق، وقد سبق أيضا أن نسب مكي القول الأول المروي عن ابن عباس من "أنه ماء الرجل وماء المرأة" إلى أكثر المفسرين وهو يدل على ميله إليه. وقد اختاره الطبري في جامع البيان 29/205 قال: "لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج، وهي إذا انتقلت فصارت علقة فقد استحالت عن معنى النطفة" وقد وجدت الراغب يفسر اللفظ بأنه "عبارة عما جعله الله تعالى بالنطفة من القُوى المختلفة" انظر المفردات: ص 489 (مشج) ويمكن اعتبار هذا الكلام ردا على اعتراض الطبري حيث نسلم من الخروج عن حد اللفظ، ونفيد من المعنى الذي يدل على المراحل اللاحقة التي هي موجودة بالقوة في النطفة قبل أن توجد بالفعل فيما بعد !؟ والله أعلم.
[72234]:- أ: ومعناه.
[72235]:- انظر معاني الفراء 3/214. بتصرف. وانظر زاد المسير 8/428.
[72236]:- ساقط من م.
[72237]:- ث: الهاء.
[72238]:- انظر رد ما ذهب إليه الفراء في جامع البيان 29/205 وإعراب النحاس 5/95-96.