معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

قوله تعالى : { وإذا حضر القسمة } يعني : قسمة المواريث .

قوله تعالى : { أولو القربى } . الذين لا يرثون .

قوله تعالى : { واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } . أي : فارضخوا لهم من المال قبل القسمة .

قوله تعالى : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } . اختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة . وقال سعيد بن المسيب والضحاك : كانت هذه قبل آية الميراث فجعلت المواريث لأهلها ونسخت هذه الآية . وقال الآخرون : هي محكمة ، وهو قول ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري . وقال مجاهد : هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم . وقال الحسن : كانوا يعطون التابوت ، والأواني ، ورث الثياب ، والمتاع ، والشيء الذي يستحيا من قسمته . وإن كان بعض الورثة طفلاً فقد اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت صغاراً اعتذروا إليهم ، فيقول الولي والوصي : إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغار ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم وإن يكبروا فسيعرفون حقوقكم ، هذا هو القول بالمعروف . وقال بعضهم : ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانوا كباراً تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغاراً أعطى وليهم . روى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاماً لأجل هذه الآية وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي . وقال قتادة عن يحيى بن يعمر : ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس ، هذه الآية ، وآية الاستئذان { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية . وقوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . وقال بعضهم : وهو أولى الأقاويل ، إن هذا على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

{ وإذا حضر القسمة أولو القربى } ممن لا يرث { واليتامى والمساكين فارزقوهم منه فاعطوهم شيئا من المقسوم تطييبا لقلوبهم . وتصدقا عليهم ، وهو أمر ندب للبلغ من الورثة . وقيل أمر وجوب ، ثم اختلف في نسخة والضمير لما ترك أو دل عليه القسمة { وقولوا لهم قولا معروفا } وهو أن يدعوا لهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

جملة معطوفة على جملة { للرجال نصيب } [ النساء : 7 ] إلى آخرها . وهذا أمر بعطية تعطى من الأموال الموروثة : أمر الورثة أن يسهموا لمن يحضر القسمة من ذوي قرابتهم غير الذين لهم حقّ في الإرث ، ممّن شأنهم أن يحضروا مجالس الفصل بين الأقرباء .

وقوله : { للرجال نصيب } [ النساء : 7 ] وقوله : { وللنساء نصيب } [ النساء : 7 ] يقتضيان مقسوماً ، فالتعريف في قوله : { القسمة } تعريف العهد الذِكري .

والأمر في قوله : { فارزقوهم منه } محمول عند جمهور أهل العلم على الندب من أوّل الأمر ، إذ ليس في الصدقات الواجبة غير الزكاة ، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي لمّا قال له : هل عليّ غيرها ؟ « لا إلاّ أنّ تطَّوّع » وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وفقهاء الأمصار ، وجعلوا المخاطب بقوله : { فارزقوهم } الورثة المالكين أمر أنفسهم ، والآية عند هؤلاء محكمة غير منسوخة ، وذهب فريق من أهل العلم إلى حمل الأمر بقوله : { فارزقوهم } على الوجوب ، فعن ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والزهري ، وعطاء ، والحسن ، والشعبي : أن ذلك حقّ واجب على الورثة المالكين أمر أنفسهم فهم المخاطبون بقوله : { فارزقوهم } .

وعن ابن عباس ، وأبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيّب ، وأبي صالح : أنّ ذلك كان فرضا قبل نزول آية المواريث ، ثم نسخ بآية المواريث ، ومآل هذا القول إلى موافقة قول جمهور أهل العلم .

عن ابن عباس أيضاً . وزيد بن أسلم : أنّ الأمر موجّه إلى صاحب المال في الوصيّة التي كانت مفروضة قبل شرع الميراث واجب عليه أن يجعل في وصيّنه شيئاً لمن يحضر وصيّته من أولى القربى واليتامى والمساكين غير الذين أوصى لهم ، وأنّ ذلك نسخ تَبعا لنسخ وجوب الوصية ، وهذا يقتضي تأويل قوله : { القسمة } بمعنى تعيين ما لكل موصى له من مقدار .

وعن سعيد بن جبير : أنّ الآية في نفس الميراث وأنّ المقصود منها هو قوله : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } قال : فقوله : { فارزقوهم منه } هو الميراث نفسه .

وقوله : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } أي قولوا لغير الورثة بأن يقال لهم إنّ الله قسم المواريث .

وقد علمت أنّ موقع الآية تمهيد لتفصيل الفرائض ، وأنّ ما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو التأويل الصحيح للآية ، وكفاك باضطراب الرواية عن ابن عباس في تأويلها توهينا لتأويلاتهم .

والأمر بأن يقولوا لهم قولاً معروفاً أي قولاً حسناً وهو ضدّ المنكر تسلية لبعضهم على مَا حرموا منه من مال الميّت كما كانوا في الجاهلية .