محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا8 ) .

( واذا حضر القسمة ) أي قسمة التركة ( أولو القربى ) ذوو القرابة ممن لا يرث . قدمهم لأن اعطاءهم صدقة وصلة ( واليتامى ) الضعفاء بفقد الآباء ( والمساكين ) الضعفاء بفقد ما يكفيهم من المال ( فارزقوهم منه ) أي أعطوهم من الميراث شيئا ( وقولوا لهم قولا معروفا ) بتلطيف القول لهم والدعاء لهم بمثل : بارك الله عليكم .

قال ابن كثير في هذه الآية : المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون ، واليتامى والمساكين ، قسمة مال جزيل ، فان أنفسهم تتشوق إلى شيء منه ، إذا رأوا هذا يأخذ ، وهذا يأخذ ، وهم يائسون لا يعطون شيئا . فأمر الله تعالى ، وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط ، يكون برا بهم وصدقة عليهم واحسانا إليهم وجبرا لكسرهم كما قال الله تعالى : ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) {[1556]} . وذم الذين ينقلون المال خفية ، خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة ، كما أخبر به عن أصحاب الجنة : ( اذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) {[1557]} . ( فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم سكين ) {[1558]} . ( ودمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) {[1559]} . فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه . ولهذا جاء في الحديث : " ما خالطت الصدقة مالا الا أفسدته " . أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية . انتهى . وقد روى البخاري{[1560]} عن ابن عباس ، في الآية قال : " هي محكمة وليست بمنسوخة " . وفي لفظ عنه : " هي قائمة يعمل بها " . وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وفي هذه الآية : " أنها واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم " . وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) " أن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمان ، وعائشة حية . فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة الا أعطاه من ميراث أبيه . وتلا : ( واذا حضر القسمة أولو القربى ) الآية " . وأخرج سعيد بن منصور عن يحيى بن يعمر قال : " ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيعهن كثير من الناس : ( واذا حضر القسمة ) ، وآية الاستئذان : ( والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) ، وقوله : ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) ، وقد ذكر هاهنا كثير من المفسرين آثارا عن بعض السلف بأن هذه الآية منسوخة بآية الميراث . وهي من الضعف بمكان . ولقد أبعد القائل بالنسخ عن فهم سر الآية فيما ندبت إليه من هذه المكرمة الجليلة . وهي اسعاف من ذكر من المال الموروث ، والنفس الأبية تنفر من أن تأخذ المال الجزل ، وذو الرحم حاضر محروم ، ولا يسعف ولا يساعد . فالآية بينة بنفسها ، واضحة في معناها وضوح الشمس في الظهيرة ، لا تنسخ أو تقوم الساعة .


[1556]:|6/ الأنعام/ 141| ونصها: ( *وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين141).
[1557]:|68/ القلم/ 17| ونصها: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة اذ أقسموا ليصرمنها مصبحين17).
[1558]:|68/ القلم/ 23 و24).
[1559]:|47/ محمد صلى الله عليه وسلم/ 10| ونصها: ( *أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها10).
[1560]:أخرجه البخاري في: 25 –كتاب التفسير، 4 –سورة النساء، 3 –باب: (واذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين) –الآية، حديث 1323.