فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (8)

{ وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ( 8 ) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ( 9 ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( 10 ) } .

{ وإذا حضر القسمة } يعني قسمة الميراث { أولو القربى } المراد بالقرابة هنا غير الوارثين لكونه عاصبا محجوبا أو لكونه من ذوي الأرحام { و } كذا { اليتامى والمساكين } من الأجانب وإنما قدم اليتامى لشدة ضعفهم وحاجتهم { فارزقوهم منه } شرع الله سبحانه أنهم حضروا قسمة التركة كان لهم منه رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها قبل القسمة .

وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب ، وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } والأول أرجح لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث ، إلا أنه إن قيل : إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه .

وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة . وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة ، والضمير في قوله { منه } راجع إلى مال المقسوم المدلول عليه بالقسمة ، وقيل راجع إلى ما ترك ، وهذا الخطاب للورثة الكاملين .

{ و } قوله { قولوا } خطاب لأولياء اليتامى إذا كان الورثة صغارا { لهم } أي للأصناف الثلاثة { قولا معروفا } وهو القول الجميل الذي ليس فيه من بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى ، أو أن يعتذروا إليهم عن عدم الإعطاء أصلا ، وعن ابن عباس قال : هي محكمة وليست بمنسوخة وقد قضى بها موسى .

وقال مجاهد :هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم ، وكذا قال الحسن والزهري ، وقال ابن عباس : يرضخ لهم ، فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو قوله { قولا معروفا } وعن عائشة أنها لم تنسخ ولكن تهاون الناس في العمل بها ، وعن سعيد ابن المسيب قال : إن كانوا كبارا يرضخوا ، وإن كانوا صغارا اعتذروا إليهم .