اختلفوا في المُرَادِ بهذه القسمة على ثَلاثَةِ أقوال :
القول الأوَّلُ : أن المُرَادَ بها في قسمة الميراث ، واختلفَ القائلون بهذا القول ، هل المرادُ به لوجوبُ أو النَّدْبُ ؟ فالقائلون بالوُجُوبِ اختلفوا ، فقال سعيدُ بْنُ المُسَيَّبِ والضَّحاك : كانت هذه قَبْلَ آية المواريث ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيةُ المواريث جعلت المواريثُ لأهْلَها ونسخت هذه الآية{[6704]} ، وقال ابنُ عَبَّاسٍ والشَّعْبِيُّ والنَّخَعِيُّ والزُّهْرِيُّ : وهي محكمة{[6705]} .
قل مُجَاهِدٌ : وهي واجبةٌ على أهل الميراثِ ما طالت به{[6706]} أنفسهم .
قال الحَسَنُ{[6707]} : كانوا يُعْطون التابوت والأواني ورثّ الثياب والمتاع والشيء الذي يُسْتَحْيَا من قسمته ، وإن كان بَعْضُ الوَرَثَة صغاراً فقد اختلفوا فيه ، قل ابن عبَّاسٍ وغيره{[6708]} : إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت الوَرَثَةِ صغاراً اعتذروا إليهم ، فَيَقُولُ الولي : إني لا أملك هذا المال إنَّمَا هو الصغار ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم .
وقال بعضهم{[6709]} : ذلك حقٌّ واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانُوا كِبَاراً تَوَلوا إعطاءَهم وإن كانوا صِغاراً أعطى وليهم ، وروى محمَّدُ بْنُ سِيرينَ أنَّ عبيدة السَّلْمَانِي قسم أموال أيتام ، وأمر بشاة فذبحت فصنع لهم طعاماً لأجل هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي{[6710]} .
وقَالَ قَتَادَةُ عن يحيى بن معمر : ثلاث آياتٍ محكمات مذنيات تركهن النَّاسُ{[6711]} ، هذه الآية ، وآية الاستئذان { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
[ النور : 58 ] وقوله : { يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى }{[6712]} [ الحجرات : 13 ] .
وقال آخرون : ذلك على سبيل النَّدْبِ إذا كان الورثة كباراً ، فإن كَانُوا صغاراً فليس إلاَّ القول المعروف ، وهذا هو الَّذي عليه فقهاءُ الأمصار لأنَّه لو كان لهم حَقٌّ معين لبينه اللَّهُ - تعالى - كسائر الحقوق ، ولو كان واجباً لتوفّرت الدَّواعي على نقله لشدَّة حرص الفقراء والمساكين على تقريره ، ولو كان كَذَلِكَ لنقل على سبيل التَّوَاتُرِ .
القول الثَّاني : أنَّ المراد بالقسمة الوصيَّة فَإذَا [ حضرها من لا يرث ]{[6713]} من الأقرباء اليتامى والمساكين أمر اللَّه تعالى الوصيّ أن يجعل لهم نصيباً من تلك الوصية ويقول لهم مع ذلك قولاً معروفاً .
القول الثالث : أنَّ قوله : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى } بَيَّن الذين يرثون والمراد من اليتامى والمساكين أي : الذين لا يرثون ثم قال : { فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أنَّهُ راجع إلى أولي القربى الذين يرثون . [ وقوله : { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } راجع إلى اليتامى والمساكين الذين لا يرثون ]{[6714]} . وهذا القَوْلُ محكيٌّ عن سعيد بن جُبَيْرٍ{[6715]} ، وقدم اليتامى على المساكين ، لأنَّ ضعفهم أكثرُ وحاجتهم أشَدُّ فكان وضع الصدقات أفضل وأعظم في الأجر .
قوله : { فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } .
في هذا الضمير ثَلاَثَةُ أوْجهٍ :
أحدها : أنه يعود على المال ، لأنَّ القسمة تَدُلُّ عليه بطريق الالتزام .
الثَّانِي : أنَّهُ يعود على " ما " في قوله : { مِّمَّا تَرَكَ } .
الثَّالِثُ : أنَّهُ يعود على نفس القِسْمَةِ ، وإن كان مذكراً مراعاة للمعنى إذ المراد بالقسمة الشيء المقسوم ، وهذا على رأي من يرى ذلك ، وَأمَّا مَنْ يقول : القسمة من الاقتسام كالخبرة من الاختبار أو بمعنى القَسَم فلا يتأتى ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.