معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ} (21)

ثم قال : { طاعة وقول معروف } وهذا ابتداء محذوف الخبر ، تقديره : طاعة ، وقول معروف أمثل ، أي لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن . وقال : مجازه : يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة : { طاعة } ، رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منا طاعة ، { وقول معروف } : حسن . وقيل : هو متصل بما قبله ، واللام في قولهم ، بمعنى الباء مجازه فأولى بهم طاعة الله ورسوله ، وقول معروف بالإجابة ، أي لو أطاعوا كانت الطاعة والإجابة أولى بهم ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء . { فإذا عزم الأمر } أي : جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزوماً ، { فلو صدقوا الله } في إظهار الإيمان والطاعة ، { لكان خيراً لهم } وقيل : جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ} (21)

يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد ، فلما فرضه الله ، عز وجل{[26680]} ، وأمر به نكل عنه كثير من الناس ، كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا } [ النساء : 77 ] .

وقال ها هنا : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ } أي : مشتملة على حُكْم القتال ؛ ولهذا قال : { فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أي : من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء .

ثم قال مشجعا لهم : { فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } أي : وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ، أي : في الحالة الراهنة ، { فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ } أي : جد الحال ، وحضر القتال ، { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ } أي : أخلصوا له النية ، { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ }


[26680]:- (1) في ت: "الله تعالى".

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ} (21)

ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى قوله : { طاعة وقول معروف } فقال بعضها ، التقدير : { طاعة وقول معروف } أمثل ، وهذا هو تأويل مجاهد ومذهب الخليل وسيبويه ، وحسن الابتداء بالنكرة لأنها مخصصة ، ففيها بعض التعريف . وقال بعضها التقدير : الأمر { طاعة وقول معروف } ، أي الأمر المرضي لله تعالى . وقال بعضها التقدير قولهم لك يا محمد على جهة الهزء والخديعة { طاعة وقول معروف } فإذا عزم الأمر كرهوه ، ونحو هذا من التقدير قاله قتادة . وقال أيضاً ما معناه : إن تمام الكلام الذي معناه الزجر والتوعد ب «أولى » . وقوله { لهم } ابتداء كلام ، ف { طاعة } على هذا القول : ابتداء ، وخبره : { لهم } والمعنى أن ذلك منهم على جهة الخديعة ، فإذا عزم الأمر ناقضوا وتعاصوا .

وقوله : { عزم الأمر } استعارة كما قال :

*قد جدت الحرب بكم فجدوا{[10370]} *

ومن هذا الباب : نام ليلك ونحوه{[10371]} .

وقوله : { صدقوا الله } يحتمل أن يكون من الصدق الذي هو ضد الكذب ، ويحتمل أن يكون من قولك : " عود صدق " {[10372]} ، والمعنى متقارب .


[10370]:هذا شاهد على إسناد الفعل إلى من لا يقوم به على سبيل المجاز، فقد أسند الشاعر الجِدّ إلى الحرب، والجِدُّ ضد الهزل، وقوله:"جدّت الحرب" معناه: اشتدت ولم تعد هزلا فقابلوها بالاجتهاد ولا تتهاونوا.
[10371]:أسند جرير النوم إلى الليل في بيته المشهور الذي قاله يخاطب ابنته أم غيلان: لقد لمتنا يا أم غيلان في السُّرى ونمتِ وما ليل المطي بنائم وكذلك أسند رؤبة النوم إلى الليل في قوله: *فنام ليلي وتجلى همي*
[10372]:قال الخليل:"الصدق الكامل من كل شيء، يقال: رجل صَدق وامرأة صدقة"، وقال ابن درستويه:" إنما هذا بمنزلة قولك: رجل صدق وامرأة صدق، فالصدق من الصدق بعينه، والمعنى أنه يصدق في وصفه من صلابة وقوة وجوده".وفي اللسان:"والصدق-بالفتح-: الصلب من الرماح وغيرها، ورمح صدق: مستو، وكذلك سيف صدق"، فقولك:"عود صدق" معناه صلب مستو جيد، والمعنى قريب لأنه يصدق في صفته من الجودة والصلابة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ} (21)

{ طاعة وقول معروف }

اللام على هذا الوجه إما مزيدة ، أي أولاهم الله ما يكرهون فيكون مِثل اللام في قول النابغة :

سَقْيا ورعيا لذاك العَاتب الزّاري

وإمّا متعلقة ب { أولى } على أنه فعل مضى ، وعلى هذا الاستعمال يكون قوله { طاعة وقول معروف } كلاماً مستأنفاً وهو مبتدأ خبره محذوف ، أي طاعة وقول معروف خير لهم ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : الأمر طاعة ، وقول معروف ، أي أمر الله أن يطيعوا .

{ فَإِذَا عَزَمَ الأمر فَلَوْ صَدَقُواْ الله لَكَانَ خَيْراً لهم } .

تفريع على وصف حال المنافقين من الهلع عند سماع ذكر القتال فإنه إذا جدّ أمر القتال ، أي حان أن يُندب المسلمون إلى القتال سيضطرب أمر المنافقين ويتسللون لِوَاذاً من حضور الجهاد ، وأن الأولى لهم حينئذٍ أن يخلصوا الإيمان ويجاهدوا كما يجاهد المسلمون الخلص وإلاّ فإنهم لا محيص لهم من أحد أمرين : إمّا حضور القتال بدون نية فتكون عليهم الهزيمة ويخسروا أنفسهم باطلاً ، وإمّا أن ينخزلوا عن القتال كما فعل ابنُ أُبَّيّ وأتباعُه يومَ أحُد .

و { إذا } ظرف للزمان المستقبل وهو الغالب فيها فيكون ما بعدها مقدراً وجوده ، أي فإذا جدّ أمر القتال وحدث .

وجملة { فلو صدقوا الله } دليل جواب { إذَا } لأن { إذا } ضمنت هنا معنى الشرط ، أي كذبوا الله وأخلفوا فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم ، واقتران جملة الجواب بالفاء للدلالة على تضمين { إذَا } معنى الشرط ، وذلك أحسن من تجريده عن الفاء إذا كانت جملة الجواب شرطية أيضاً .

والتعريف في { الأمر } تعريف العهد ، أو اللام عن المضاف إليه ، أي أمر القتال المتقدم آنفاً في قوله : { وذُكر فيها القتال } .

والعزم : القطع وتحقق الأمر ، أي كونه لا محيص منه . واستعير العزم للتعيين واللزوم على طريقة المكنية بتشبيه ما عُبر عنه بالأمر ، أي القتال برجل عزم على عمل مَّا وإثبات العزم له تخييلة كَإثْبَاتِ الأظفار للمنية ، وهذه طريقة السكاكي في جميع أمثلة المجاز العقلي ، وهي طريقة دقيقة لكن بدون اطراد ولكن عندما يسمح بها المقام . وجعل في « الكشاف » إسناد العزم إلى الأمر مجازاً عقلياً ، وحقيقته أن يسند لأصحاب العزم على طريق الجمهور في مثله وهو هنا بعيد إذ ليس المعنى على حصول الجد من أصحاب الأمر ، ونظيره قوله تعالى : { إن ذلك من عزم الأمور } [ لقمان : 17 ] فالكلام فيها سواء .

ومعنى { صدقوا الله } قالوا له الصدق ، وهو مطابقة الكلام لما في نفس الأمر ، أي لو صدقوا في قولهم : نحن مؤمنون ، وهم إنما كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ أظْهروا له خلاف ما في نفوسهم ، فجعل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً على الله تفظيعاً له وتهويلاً لمغبته ، أي لو أخلصوا الإيمان وقاتلوا بنية الجهاد لكان خيراً لهم في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا خير العزة والحُرمة وفي الآخرة خير الجنة .

فهذه الآية إنْبَاء مما سيكون منهم حين يجد الجد ويَجيءُ أوان القتال وهي من معجزات القرآن في الإخبار بالغيب فقد عزم أمر القتال يوم أُحُد وخرج المنافقون مع جيش المسلمين في صورة المجاهدين فلما بلغ الجيش إلى الشوْط بينَ المدينة وأُحد قال عبد الله بن أُبَيّ بنُ سلول رأسُ المنافقين : ما ندري علامَ نَقْتُل أنفسنا هاهنا أيها الناس ؟ ورجع هو وأتباعه وكانوا ثلث الجيش وذلك سنة ثلاث من الهجرة ، أي بعد نزول هذه الآية بنحو ثلاث سنين .

وقوله : { فلو صدقوا الله } جواب كما تقدم ، وفي الكلام إيجاز لأن قوله : { لكان خيراً } يؤذن بأنه إذا عزم الأمر حصل لهم ما لا خير فيه . ولفظ { خيراً } ضد الشَّرِ بوزن فَعْل ، وليس هو هنا بوزن أَفْعَلَ .