اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ} (21)

قوله : { طَاعَةٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه خبر «أَوْلَى » على ما تقدم .

الثاني : أنها صفة «لِسُورَة » أي فإذا أنزلت سُورَةٌ محكمة «طاعة » أي ذات طاعة أو مطاعة . ذكره مكي{[51417]} ، وأبو البَقَاءِ{[51418]} . وفيه بُعْد لكثرة الفواصل .

الثالث : أنها مبتدأ و«قَوْل » عطف عليها والخبر محذوف تقديره : أَمْثَلُ لَكُمْ مِنْ غَيْرِهِمَا{[51419]} . وقدّر مَكِّيٌّ منَّا{[51420]} طاعةٌ فقدّره مقدَّماً .

الرابع : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي أمْرُنَا طَاعَةٌ{[51421]} .

الخامس : أن لهم خبر مقدم وطاعة مبتدأ مؤخر{[51422]} . والوقف والابتداء يُعْرَفَانِ مما تقدم .

فصل

قال المفسرون : قوله : طاعة وقول معروف ابتداء محذوف الخبر ، تقديره طاعة وقول معروف أمثل ، أي لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن{[51423]} . وساغ الابتداء بالنكرة ، لأنها وُصِفَتْ بدليل قوله : { وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } فإنه موصوف فكأنه تعالى قال : طاعة مخلصةً وقولٌ معروف خير{[51424]} . وقيل : يقول المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة ، أو منا طاعة وقول معروف : حسن{[51425]} .

وقيل : «متَّصل » . واللام في قوله : «لَهُمْ » بمعنى الباء أي فأولى بهم طاعة الله ورسوله وقول معروف بالإجابة ، أي لو أطاعوا الله كانت الطاعة والإجابة أولى بهم{[51426]} . وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عَطَاءٍ .

قوله : { فَإِذَا عَزَمَ الأمر } في جوابها ثلاثة أوجه :

أحدهما : قوله : { فَلَوْ صَدَقُواْ } نحو : إذَا جَاءنِي طَعَامٌ فَلَوْ جِئْتَنِي{[51427]} أَطْعَمْتُكَ .

الثاني : أنه محذوف تقدره : فَاصْدُقْ ، كذا قدره أبو البقاء{[51428]} .

الثالث : أن تقديرنا{[51429]} ناقضوا{[51430]} . وقيل : تقديره كرهوا ذلك{[51431]} . وعَزَمَ الأمْر على سبيل الإسناد المجازي كَقوله :

4478 قَدْ جَدَّتِ الْحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا{[51432]} *** . . .

أو يكون على حذف مضاف أي عَزَمَ أَهْلُ الأمر{[51433]} . وقال المفسرون : معناه إذا جدَّ الأمر ولزم فرض القتال خالفوا وتخلفوا فلو صدقوا لله في إظهار الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم{[51434]} . وقيل : جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر لكلُّوا أو كذبوا فيما وعدو ولو صدقوا لكان خيراً لهم .


[51417]:مشكل إعراب القرآن له 2/308.
[51418]:التبيان 1163.
[51419]:مشكل إعراب القرآن السابق، والرازي 28/62 والكشاف 3/536.
[51420]:مشكل الإعراب السابق.
[51421]:التبيان السابق وأبو حيان في بحره 8/81.
[51422]:نقله أبو حيان في بحره السابق عن قتادة ـ رضي الله عنه ـ.
[51423]:نقل المؤلف كلام الرازي رغم ما أورده في إعراب كلمة "طاعة". وهذا من العيوب التي يقع فيها كثيرا فهو حريص على نقل الكلام حتى ولو كان مكررا.
[51424]:وانظر الرازي 28/62، 63.
[51425]:الكشاف 3/536 والبحر والرازي السابقين.
[51426]:نقله القرطبي في الجامع 16/244 ولم يعينه لمعين.
[51427]:وهو احتيار أبي حيان في البحر 8/82.
[51428]:التبيان 1163.
[51429]:كذا في (أ) وفي (ب) تقديره وهو الأصح والأبين وإلا فمن المقدر؟!
[51430]:القرطبي 16/244.
[51431]:القرطبي 16/244.
[51432]:من الرجز وقبله: قد شمرت عن ساقها فشدوا وشاهد في الإسناد المجازي حيث شبه الحرب بإنسان عاقل، وانظر البحر 8/316 ومجمع البيان 10/8.
[51433]:التبيان 1163.
[51434]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/13 والقرطبي السابق.