معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

قوله تعالى : { فروح } قرأ يعقوب { فروح } بضم الراء ، والباقون بفتحها ، فمن قرأ بالضم ، قال الحسن معناه : تخرج روحه في الريحان : وقال قتادة : الروح الرحمة أي له الرحمة ، وقيل : معناه فحياة وبقاء لهم . ومن قرأ بالفتح ، معناه : فله روح وهو الراحة ، وهو قول مجاهد . وقال سعيد بن جبير : فرح . وقال الضحاك : مغفرة ورحمة . { وريحان } استراحة . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : رزق . وقال مقاتل : هو الرزق بلسان حمير ، يقال : خرجت أطلب ريحان الله ، أي رزق الله . وقال آخرون : هو الريحان الذي يشم . قال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه . { وجنة نعيم } ، قال أبو بكر الوراق : { الروح } النجاة من النار ، والريحان دخول دار القرار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

{ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } أي : فلهم روح وريحان ، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت ، كما تقدم في حديث البراء : أن ملائكة الرحمة تقول : " أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .

قال علي بن طلحة {[28175]} ، عن ابن عباس : { فَرَوْحٌ } يقول : راحة وريحان ، يقول : مستراحة .

وكذا قال مجاهد : إن الروح : الاستراحة .

وقال أبو حَزْرَة : الراحة من الدنيا . وقال سعيد بن جُبَيْر ، والسدي : الروح : الفرح . وعن مجاهد : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } : جنة ورخاء . وقال قتادة : فروح ورحمة {[28176]} . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : { وَرَيْحَانٌ } : ورزق .

وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة ، فإن من مات مقربًا حصل له جميعُ ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة ، والفرح والسرور والرزق الحسن ، { وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } .

وقال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين حتى يُؤْتَى بغصن من ريحان الجنة ، فيقبض روحه فيه .

وقال محمد بن كعب : لا يموت أحدٌ من الناس حتى يعلم : أمن أهل الجنة هو أم [ من ] {[28177]} أهل النار ؟

وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ] } [ إبراهيم : 27 ] ، {[28178]} ، ولو كتبت هاهنا لكان حسنًا ! ومن جملتها حديث تميم الداري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يقول الله لملك الموت : انطلق إلى فلان {[28179]} فأتني به ، فإنه قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ، ائتني به فلأريحنه . قال : فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة ، معهم أكفان وحَنُوط من الجنة ، ومعهم ضَبَائر الريحان ، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونًا ، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك " .

وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدم{[28180]} ، وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية : قال{[28181]} الإمام أحمد :

حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا هارون ، عن بُدَيل بن ميسرة{[28182]} ، عن عبد الله بن شَقِيق ، عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : { فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ } برفع الراء .

وكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث هارون - وهو ابن موسى الأعور - به{[28183]} ، وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديثه .

وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده ، وخالفه الباقون فقرؤوا : { فَرَوْحٌ } بفتح الراء .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل : أنه سمع درّة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ : أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضًا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون النَسمُ{[28184]} طيرًا يعلق بالشجر ، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها " {[28185]} .

هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ، ومعنى " يعلق " : يأكل ، ويشهد له بالصحة أيضًا ما رواه الإمام أحمد ، عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، عن الإمام مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نَسَمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " {[28186]} . وهذا إسناد عظيم ، ومتن قويم .

وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة{[28187]} حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش " {[28188]} الحديث .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا عطاء بن السائب قال : كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى : رأيت شيخًا{[28189]} أبيض الرأس واللحية على حمار ، وهو يتبع جنازة ، فسمعته يقول : حدثني فلان بن فلان ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " . قال : فأكب القوم يبكون فقال : " ما يُبكيكم ؟ " فقالوا : إنا نكره الموت . قال : " ليس ذاك ، ولكنه إذا حُضِر { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } ، فإذا بُشِّر بذلك أحب لقاء الله عز وجل ، والله ، عز وجل ، للقائه أحب { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ [ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ] } {[28190]} فإذا بُشِّر بذلك كره لقاء الله ، والله للقائه أكره .

هكذا رواه الإمام أحمد{[28191]} ، وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - شاهد لمعناه{[28192]} .


[28175]:- (3) في م، أ: "علي بن أبي طلحة".
[28176]:- (1) في أ: "فروح وريحان".
[28177]:- (2) زيادة من أ.
[28178]:- (3) زيادة من م.
[28179]:- (4) في م، أ: "إلى وليي".
[28180]:- (5) انظر: تفسير سورة إبراهيم الآية: 27.
[28181]:- (6) في م: "فقال".
[28182]:- (7) في أ: "بن قيس".
[28183]:- (8) المسند (6/64) وسنن أبي داود برقم (3991) وسنن الترمذي برقم (2938) وسنن النسائي الكبرى برقم (11566).
[28184]:- (1) في م، أ: "النسمة".
[28185]:- (2) المسند (6/424).
[28186]:- (3) المسند (3/455).
[28187]:- (4) في م: "في رياض الجنة".
[28188]:- (5) تقدم الحديث عند تفسير الآية: 169 من سورة آل عمران، وانظر تخريجه هناك.
[28189]:- (6) في أ: "شخصا".
[28190]:- (7) زيادة من م.
[28191]:- (8) المسند (4/259).
[28192]:- (9) صحيح مسلم برقم (2684).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

والروح : الرحمة والسعة والفرح ، ومنه { روح الله } [ يوسف : 87 ] والريحان وهو دليل النعيم ، وقال مجاهد ، الريحان : الرزق . وقال أبو العالية وقتادة والحسن ، الريحان : هذا الشجر المعروف في الدنيا يلقى المقربين ريحاناً من الجنة .

وقرأ الحسن وابن عباس وجماعة كثيرة «فرُوح » بضم الراء . وقال الحسن ومعناه : روحه يخرج في ريحانه وقال الضحاك ، الريحان : الاستراحة .

قال القاضي أبو محمد : الريحان ، ما تنبسط إليه النفوس . وقال الخليل : هو طرف كل بقلة طيبة فيها أوائل النور ، وقد قال عليه السلام في الحسن والحسين : «هما ريحانتاي من الدنيا »{[10943]} ، وقال النمر بن تولب : [ المتقارب ]

سلام الإله وريحانه . . . ورحمته وسماء درر{[10944]}

وقالت عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : «فرُوح » بضم الراء .


[10943]:أخرجه البخاري في (فضائل الصحابة) و(الأدب)، والترمذي في المناقب، ولفظه في البخاري عن ابن أبي نعيم: سمعت عبد الله بن عمر، وسأله عن المُحرم، قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(هما ريحانتاي من الدنيا).
[10944]:سبق التعليق عليه في أول سورة الرحمن، عند تفسير قوله تعالى:{والحب ذو العصف والريحان}. ص(184) هامش رقم (2) من هذا الجزء.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ} (89)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فروح} يعني فراحة {وريحان} يعني الرزق في الجنة بلسان خير {وجنت نعيم}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحَ وَرَيْحانٌ" يقول تعالى ذكره: فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين قرّبهم الله من جواره في جنانه "فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ" يقول: فله روح وريحان. واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار "فَرَوْحٌ" بفتح الراء، بمعنى: فله برد "وَرَيْحانٌ" يقول: ورزق واسع... بمعنى: فله الرحمة والمغفرة، والرزق الطيب الهنّي...

وأصله من قولهم: وجدت رَوْحا: إذا وجد نسيما يَسَترْوح إليه من كَرَبِ الحرّ. وأما الرّيحان، فإنه عندي الريحان الذي يُتَلقى به عند الموت، وقوله: "وَجَنّةُ نَعِيمٍ" يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} في الرَّوح ثمانية تأويلات:

...

...

...

...

...

...

...

الرابع: أنه الرخاء...

الخامس: أنه الرَوح من الغم والراحة من العمل، لأنه ليس في الجنة غم ولا عمل...

...

...

...

...

...

...

....

السابع: التسليم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والروح: الرحمة والسعة والفرح، ومنه {روح الله} [يوسف: 87] والريحان وهو دليل النعيم.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} أي: فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما تقدم في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول: "أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان"... من الرحمة والراحة والاستراحة، والفرح والسرور والرزق الحسن، {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فروح} أي فله راحة ورحمة... {وريحان}...ولما ذكر هذه اللذاذة، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال: {وجنات} أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه...

ولما كان جنان الدنيا قد يكون فيها نكد، أضاف هذه الجنة إلى المراد بهذه الجنان إعلاماً بأنها لا تنفك عنه فقال: {نعيم} أي ليس فيها غيره بل هي مقصورة عليه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فالروح هنا ترى علائم هذا النعيم الذي ينتظرها: روح وريحان وجنة نعيم. والألفاظ ذاتها تقطر رقة ونداوة. وتلقي ظلال الراحة الحلوة، والنعيم اللين والأنس الكريم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وجزاؤهم: (فروح)، قالوا: يعني رحمة من الله وسرور بنعمة الله، والرحمة تتناسب سعتها وعلوها بقدر الراحم، فإذا كانت الرحمة من الله فهي رحمة لا حدود لها.