قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } ، فقر ، { نحن نرزقهم وإياكم } ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة فنهوا عنه ، وأخبروا أن رزقهم ورزق أولادهم على الله تعالى ، { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } ، قرأ ابن عامر و أبو جعفر خطأ بفتح الخاء والطاء مقصوراً . وقرأ ابن كثير بكسر الخاء ممدوداً وقرأ الآخرون بكسر الخاء وجزم الطاء ، ومعنى الكل واحد ، أي : إثماً كبيراً . { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } .
هذه الآية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده ؛ لأنه ينهى [ تعالى ]{[17460]} عن قتل الأولاد ، كما أوصى بالأولاد في الميراث ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ، بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته ، فنهى الله [ تعالى ]{[17461]} عن ذلك فقال : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } أي : خوف أن تفتقروا في ثاني الحال ؛ ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال : { نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } وفي الأنعام{[17462]} { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ } أي : من فقر { نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ{[17463]} } [ الأنعام : 151 ] .
وقوله : { إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } أي : ذنبًا عظيمًا .
وقرأ بعضهم : " كان خَطَأً كبيرًا " وهو بمعناه .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندًا وهو خلقك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَمَ معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني بحليلة{[17464]} جارك " {[17465]} .
قرا الأعمش وابن وثاب «ولا تقتّلوا » بتضعيف الفعل ، وهذه الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله ، وهو قوله تعالى : { وإذا الموءودة سئلت }{[7539]} ، ويقال كان جهلهم يبلغ أن يغدو أحدهم كلبه ويقتل ولده ، و { خشية } نصب على المفعول من أجله ، و «الإملاق » الفقر وعدم الملك ، أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات وهي الحجارة العظام الملس السود ، وقرأ الجمهور «خِطْئاً » بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز والقصر ، وقرأ ابن عامر «خطئاً » بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة ، وهي قراءة أبي جعفر ، وهاتان قراءتان مأخوذتان من خطىء إذا أتى الذنب على عمد ، فهي كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
الخطء فاحشة والبر نافلة . . . كعجوة غرست في الأرض تؤتبر{[7540]}
قال الزجاج يقال خطىء الرجل يخطأ خطأً مثل أثم إثماً فهذا هو المصدر وخطأ اسم منه ، وقال بعض العلماء خطىء معناه واقع الذنب عامداً ، ومنه قوله تعالى : { لا يأكله إلا الخاطئون } [ الحاقة : 37 ] ، وأخطأ واقع الذنب عن غير تعمد ، ومنه قوله تعالى : { إن نسينا أو أخطأنا }{[7541]} ، وقال أبو علي الفارسي : وقد يقع هذا موضع هذا ، وهذا موضع هذا ، فأخطأ بمعنى تعمد في قول الشاعر : [ الوافر ]
عبادك يخطئون وأنت رب . . . كريم لا يليق بك الذموم{[7542]}
وخطىء بمعنى لم يتعمد في قول الآخر : [ الكامل ]
والناس يلحون الأمير إذا همُ . . . خطئوا الصواب ولا يلام المرشد{[7543]}
وقد روي عن ابن عامر «خَطأً » بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة ، وقرأ ابن كثير «خِطَاء » بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة ، وهي قراءة الأعرج بخلاف ، وطلحة وشبل والأعمش وعيسى وخالد بن إياس وقتادة والحسن بخلاف عنه ، قال النحاس ولا أعرف لهذه القراءة وجهاً ، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطاً . قال أبو علي الفارسي : هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لم نجد خاطَأ ولا كنا وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ ، فدلنا عليه ، فمنه قول الشاعر : [ المتقارب ]
تخاطأت النبْل أحشاءه . . . وخر يومي فلم أعجل{[7544]}
وقول الآخر في صفة كماة : [ الطويل ]
تَخَاطَأَه القنّاصُ حتى وجدته . . . وخرطومه في مَنْقَع الماء راسب{[7545]}
فكأن هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل ، وقرأ الحسن فيما روي عنه «خَطَاء » بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة قال أبو حاتم : لا يعرف هذا في اللغة ، وهو غلط غير جائز وليس كما قال أبو حاتم ، قال أبو الفتح : الخطاء من أخْطَأت بمنزلة العطاء من أعطيت ، هو اسم يعني المصدر ، وقرأ الحسن بخلاف «خَطاً » بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز ، وقرأ أبو رجاء والزهري «خِطاً » بكسر الخاء وفتح الطاء كالتي قبلها ، وهاتان مخففتان من خطأ وخطاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.