السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا} (31)

ولما أتم سبحانه وتعالى الوصية بالأصول وما يتبع ذلك أوصى بالفروع بقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم } فذكرهم بلفظ الولد الذي هو داعية إلى الحنو والعطف { خشية إملاق } أي : فقر متوقع لم يقع بعد ثم وصل بذلك استئنافاً بقوله تعالى : { نحن نرزقهم وإياكم } مقدّماً ضمير الأولاد لكون الإملاق مترقباً من الإنفاق عليهم ثم علل تعالى ذلك بما هو أعم منه فقال تعالى : { إن قتلهم } أي : مطلقاً لهذا أو لغيره { كان خطأ } أي : إثماً { كبيراً } أي : عظيماً وقرأ ابن كثير بفتح الطاء ومدّ بعدها مدّاً متصلاً ، وقرأ ابن ذكوان بفتح الخاء والطاء ولا مدّ بعد الطاء والباقون بكسر الخاء وسكون الطاء . قال الرمانيّ : الخطء بكسر ثم سكون لا يكون إلا تعمداً إلى خلاف الصواب والخطأ أي : محركاً قد يكون من غير تعمد .

وإنما وجب بر الأولاد لأمور : أحدها أنهم في غاية الضعف ولا كافل لهم غير الوالدين وإنما وجب برّ الوالدين مكافأة لما صدر منهما من أنواع البر إلى الولد . الثاني أنّ امتناع الآباء من البرّ بالأولاد يقتضي خراب العالم .

الثالث : أنّ قرابة الولادة قرابة الجزئية والبعضية وهي من أعظم الموجبات للمحبة فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح وقسوة في القلب ، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة فرغب الله تعالى في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة وعبر تعالى بالأولاد ليشمل الإناث ، فإنّ العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة عليهم وأيضاً كانوا يخافون أنهنّ بعد كبرهنّ تفقد أكفاؤهنّ فيحتاجون إلى إنكاحهنّ من غير أكفاء وفي ذلك عار شديد فنهاهم الله تعالى عن ذلك فإنّ الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولداً وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور والإناث وأما ما يخاف من الفقر في البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر وقد يخاف أيضاً في العاجزين من البنين ، وكما أنه سبحانه وتعالى يفتح أبواب الرزق على الذكور فكذلك على الإناث .