معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

{ بلى قادرين } أي نقدر ، استقبال صرف إلى الحال ، قال الفراء { قادرين } نصب على الخروج من نجمع ، كما تقول في الكلام أتحسب أن لا نقوى عليك ؟ بلى قادرين على أقوى منك ، يريد : بل قادرين على أكثر من ذا . مجاز الآية : بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك ، وهو { على أن نسوي بنانه } أنامله ، فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخف البعير وحافر الحمار ، فلا يرتفق بها بالقبض والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها . هذا قول أكثر المفسرين . وقال الزجاج وابن قتيبة : معناه : ظن الكافر أن لا نقدر على جمع عظامه ، بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها ، فنؤلف بينها حتى نسوي البنان ، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

{ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } قال سعيد بن جُبَير والعَوفي ، عن ابن عباس : أن نجعله{[29543]} خُفّا أو حافرًا . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن جرير . ووجَّهه ابنُ جرير بأنه تعالى لو شاء لجعل ذلك في الدنيا .

والظاهر من الآية أن قوله : { قَادِرِينَ } حال من قوله : { نَجْمَعَ } أي : أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نُسَوِّي بنانه ، أي : قدرتنا صالحة لجمعها ، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان ، فتجعل بنانه - وهي أطراف أصابعه - مستوية . وهذا معنى قول ابن قتيبة ، والزجاج .


[29543]:- (3) في أ: "أن نحوله".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

ثم قال تعالى : { بلى } وهي إيجاب ما نفي ، وبابها أن تأتي بعد النفي والمعنى بل يجمعها { قادرين } بنصب { قادرين } على الحال . وقرأ ابن أبي عبلة «قادرون » بالرفع ، وقال القتبي : { نسوي بنانه } معناه نتقنها سوية ، والبنان : الأصابع ، فكأن الكفار لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والإرمام ، قيل لهم إنما تجمع ويسوى أكثرها تفرقاً أجزاء وهي عظام الأنامل ومفاصلها ، وهذا كله عند البعث ، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين : { نسوي بنانه } معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظماً واحداً كخف البعير لا تفاريق فيه ، فكأن المعنى قادرين لأن في الدنيا على أن نجعلها دون تفرق ، فتقل منفعته بيده ، فكأن التقدير { بلى } نحن أهل أن نجمعها { قادرين } على إزالة منفعة بيده ، ففي هذا توعد ما ، والقول الأول أحرى مع رصف الكلام ، ولكن على هذا القول جمهور العلماء{[11464]} .


[11464]:من أسرار البلاغة القرآنية هنا أن الآية وهي ترد على إنكار الكفار لجمع العظام لم تكتف ببيان قدرة الله تعالى على جمعها، بل ذكرت شيئا آخر أدق من مجرد وأدل على القدرة وهو التسوية، ثم إن العلم الحديث قد اكتشف سر البصمة التي في أطراف الأصابع، وهي علامة من علامات القدرة الإلهية ذكرتها الآية قبل العلم وأهله بمئات السنين.