تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { بلى قادرين على أن نسوي بنانه }[ اختلف فيه ]{[22752]} :

فمنهم من حمل هذه الآية على الابتداء ، وزعم أنه ليس فيه جواب لما يقتضيه قوله عز وجل : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } .

ومنهم من ذكر أن قوله : { بلى } جواب لقوله : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } فاكتفى بقوله : { بلى } بما سبق منه من الدلالات والحجج على القول بالبعث ، فاقتصر على قوله : { بلى } على الوصل بما تقدم من الدلالات .

ومنهم من جعل جوابه في قوله : { قادرين على أن نسوي بنانه } يعني أن تسوية البنان هو الجعل من عظم واحد مجموعا غير متفرق مثل خف البعير وحافر الدواب . ووجه الاستدلال أنهم أقروا بأن الله قادر على أن يسوي البنان لما رأوا التسوية موجودة في الدواب ، ثم الجمع بعد التفريق أظهر وجودا وأيسر فعلا من تسوية البنان .

ألا ترى أن المرء في الشاهد قد يقدر على التأليف والجمع بين أشياء متفرقة ، ويعجز عن تسوية البنان ؟ فإذا كانت التسوية أعسر وجودا من الجمع بعد التفريق ، ثم وصفوا الله تعالى بالقدرة على تسوية البنان ، فكيف أنكروا قدرته على جمع العظام بعد تفريقها ؟ { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا }[ الإسراء : 43 ] .

ومنهم من يقول : إن الله تعالى لمّا لم يسوّ بين بنان الإنسان ، وسوّى بين بنان الدواب ، ليصل إلى الأخذ والإعطاء وإلى التقديم والتأخير والقبض والبسط وأنواع المنافع التي خص بها/ 615 – بن نحو ما يملكون بالبنان تسخير الدواب والأنعام : يعلم بالتفريق بين الدواب وبينهم{[22753]} أن البشر هم المقصودون بالمحنة وألا يتركهم سدى ، لا يأمرهم ، ولا ينهاهم ، ولا يستأديهم شكر ما أنعم عليهم ، وقد ائتمر البعض ، وعصى البعض ، ولا{[22754]}بد من دار أخرى للمجازاة .

فالنظر في هذا يحمله على القول بالبعث والجزاء . ولأن الاستواء يقع في الابتداء ، والجمع بعد التفريق يكون عند الإعادة ، والعقول تشهد على أن الإعادة أيسر من أمر الابتداء ، فإذا لم يتعذر عليه الاستواء في الابتداء ، فأنىّ تعسر عليه إعادة الجمع مع قدرته على الجمع في الابتداء ، ولأنهم لما لم يخلقوا مستويي البنان فليعلموا أن في ترك الاستواء حكمة .

ولو كان الأمر على ما قدروا أن [ لا ]{[22755]} بعث لكان يخرج على حد الحكمة ، فيكون في ما ذكر تثبيت البعث والقول بالقدرة على جمع العظام بعد تفرقها وتفتتها ، والله أعلم .


[22752]:ساقطة من الأصل و م.
[22753]:أدرج بعدها في الأصل و م:على.
[22754]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[22755]:ساقطة من الأصل و م.