معاني القرآن للفراء - الفراء  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

وقوله عز وجل : { بَلَى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنانَهُ } .

جاء في التفسير : بلى نقدر على أن نسوي بنانه ، أي : أن نجعل أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير ، فقال : بلى قادرين على أن نعيد أصغر العظام كما كانت ، وقوله : «قادرين » نصبت على الخروج من «نجمع » ، كأنك قلت في الكلام : أتحسب أن لن نقوى عليك ، بلى قادرين على أقوى منك . يريد : بلى نقوى قادرين ، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا . ولو كانت رفعا على الاستئناف ، كأنه قال : بلى نحن قادرون على أكثر من ذا كان صوابا .

وقول الناس : بلى نقدر ، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأٌ ؛ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إِلى فاعل . ألا ترى أنك تقول : أتقوم إلينا ؛ فإن حولتها إلى فاعل قلت : أقائم ، وكان خطأ أن تقول : أقائما أنت إِلينا ؟ وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق :

على قسَمٍ لا أشتم الدهر مسلما *** ولا خارجا مِنْ فيَّ زورُ كلام

فقالوا : إنما أراد : لا أشتم ، ولا يخرج ، فلما صرفها إلى خارج نصبها ، وإِنما نصب لأنه أراد : عاهدتُ ربي لا شاتما أحدا ، ولا خارجاً من فيَّ زور كلام . وقوله : لا أشتم في موضع نصب [ 115/ب ] .