اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ} (4)

قال القتبي والزجاج : وزعموا أن الله تعالى لا يبعث الموتى ، ولا يقدر على جمع العظام ، فقال الله تعالى : بلى قادرين على أن نعيد السُّلاميات على صغرها ، ونُؤلِّف بينها حتى تستوي ، ومن قدر على هذا فهو على جميع الكبار أقدرُ .

وقال ابن عباس وعامة المفسرين : { على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخُفِّ البعير ، أو كحافر الحمار ، أو كظلفِ الخنزيرِ ، ولا يمكنه أن يعمل به شيئاً ولكنا فرقنا أصابعه حتى يفعل بها ما يشاء .

وقيل : نقدر أن نُعيد الإنسان في هيئة البهائم ، فكيف في صورته التي كان عليها ، وهو كقوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الواقعة : 60 ، 61 ] .

والقول الأول أشبه بمساق الآية .

فصل في الكلام على الآية

قال ابن الخطيب{[58639]} رحمه الله : وفي الآية إشكالات :

أحدها : ما المناسبة بين القيامة والنَّفس اللوامة حتى جمع الله بينهما في القسم ؟ .

وثانيها : على وقوع القيامة .

وثالثها : قال جل ذكره : أقسم بيوم القيامة ولم يقل : والقيامة ، كما قال - عز وجل - في سائر السور : { والطور } [ الطور : 1 ] { والذاريات } [ الذاريات : 1 ] ، { والضحى } [ الضحى : 1 ] .

والجواب عن الأول من وجوه :

أحدها : أنَّ أحوال القيامة عجيبة جدّاً ، ثُمَّ المقصود من إقامة القيامة إظهار أحوال النُّفوس على ما قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَرفَ نَفْسَهُ عرَفَ رَبَّهُ » ومن أحوالها العجيبة قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان } [ الأحزاب : 72 ] .

وقيل : القسم وقع بالنَّفس اللوامة على معنى التعظيم من حيث إنها أبداً يستحقرُ فعلها وجدُّها واجتهادها في طاعة الله تعالى .

وقيل : إنه - تعالى - أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة تحقيراً لها ؛ لأن النفس اللوامة إمَّا أن تكون كافرة بالقيامة مع عظم أمرها ، وإمَّا أن تكون فاسقة مقصرة في العمل ، وعلى التقديرين فإنها تكون مستحقرة .

والجواب عن الثاني : أن المحقِّقين قالوا : القسم بهذه الأشياء قسم بربِّها وخالقها في الحقيقة ، فكأنه قيل : أقسم برب القيامة على وقوع القيامة .

والجواب عن الثالث : أنه حيث أقسم ، قال جل ذكره : «والذَّارياتِ » ، وأما هنا فإنه سبحانه نفى كونه مقسماً بهذه الأشياء ، فزال السؤال .


[58639]:ينظر: الفخر الرازي 30/191.