معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

قوله تعالى : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } ، قيل : هذا عند السد ، يقول : تركنا يأجوج ومأجوج ، أي : يدخل ، بعضهم في بعض ، كموج الماء ، ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم . وقيل : هذا عند قيام الساعة ، يدخل الخلق بعضهم في بعض ، ويختلط إنسيهم بجنيهم حيارى . { ونفخ في الصور } ، لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة ، { فجمعناهم جمعاً } ، في صعيد واحد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

وقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ [ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ] }{[18534]} أي : الناس يومئذ أي : يوم يدك{[18535]} هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم ، وهكذا قال السدي في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : ذاك حين يخرجون على الناس . وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال ، كما سيأتي بيانه [ إن شاء الله تعالى ]{[18536]} عند قوله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } [ الأنبياء : 96 ، 97 ] وهكذا قال هاهنا : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } قال ابن زيد في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : هذا أول يوم القيامة ، { وَنُفِخَ{[18537]} فِي الصُّورِ } على أثر ذلك { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } .

وقال آخرون : بل المراد بقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي : يوم القيامة يختلط الإنس والجن .

وروى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن يعقوب القمي{[18538]} عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة{[18539]} في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : إذا ماج الإنس والجن قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر . فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا{[18540]} الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا{[18541]} الأرض فيقول : " ما من محيص " . ثم يظعن يمينًا وشمالا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطنوا{[18542]} الأرض فيقول : " ما من محيص " فبينما هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريته ، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنًا من خزان النار ، فقال : يا إبليس ، ألم تكن لك المنزلة عند ربك ؟ ! ألم تكن في الجنان ؟ ! فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض عليّ فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه . فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة . فيقول : ما هي ؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار . فيتلكأ عليه ، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار . فتزفر النار{[18543]} زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مُرسل إلا جثا لركبتيه{[18544]}

وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به . رواه من وجه آخر عن يعقوب ، عن هارون عن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : الجن الإنس ، يموج بعضهم في بعض .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني{[18545]} ، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل ، وتايس{[18546]} ومنسك " . {[18547]} هذا حديث غريب بل منكر ضعيف .

وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبيه ، عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعًا : " إن يأجوج ومأجوج لهم نساء ، يجامعون ما شاؤوا ، وشجر يلقحون ما شاؤوا ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا " {[18548]}

وقوله : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } : والصور كما جاء في الحديث : " قرن ينفخ " فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل ، عليه السلام ، كما قد تقدم في الحديث بطوله ، والأحاديث فيه كثيرة .

وفي الحديث عن عطية ، عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعًا : " كيف أنعم ، وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن ، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر " . قالوا : كيف نقول ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " {[18549]}

وقوله { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } أي : أحضرنا الجميع للحساب { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ]


[18534]:زيادة من ف، أ.
[18535]:في ت: "بذكر".
[18536]:زيادة من ف، أ.
[18537]:في ت: "ينفخ".
[18538]:في أ: "العمى".
[18539]:في أ: "قرارة".
[18540]:في أ: "قد تطبقوا".
[18541]:في أ: "قد تطبقوا".
[18542]:في أ: "قد تطبقوا".
[18543]:في أ: "جهنم".
[18544]:تفسير الطبري (16/23).
[18545]:في ف، أ: "الأصبهاني".
[18546]:الحديث في مسند الطيالسى برقم (2282) وقال الهيثمي في المجمع (8 / 6): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات".تنبيه: وقع في مجمع الزوائد "تاول وتاريس ومنسك" وعند الطسالسى "تاويل وتاريس وتارليس ومنسك" وفي المطالب العالية "تاويل وتاريس وناسك".
[18547]:?????
[18548]:سنن النسائي الكبرى برقم (11334).
[18549]:رواه الترمذي في السنن برقم (2431) وقال: "هذا حديث حسن".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

{ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد ، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله : { ونُفخ في الصور } لقيام الساعة . { فجمعناهم جمعا } للحساب والجزاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

الترك : حقيقته مفارقة شيء شيئاً كان بقربه ، ويطلق مجازاً على جعل الشيء بحالة مخالفة لحالة سابقة تمثيلاً لحال إلفائه على حالة ، ثم تغييرها بحال من كان قرب شيء ثم ذهب عنه ، وإنما يكون هذا المجاز مقيداً بحالة كان عليها مفعول تَرك ، فيفيد أن ذلك آخر العهد ، وذلك يستتبع أنه يدوم على ذلك الحال الذي تركه عليها بالقرينة .

والجملة عطف على الجملة التي قبلها ابتداء من قوله { حتى إذا بلغ بين السدين ، } فهذه الجملة لذكر صنع الله تعالى في هذه القصة الثالثة من قصص ذي القرنين إذ ألهمه دفع فساد ياجوج وماجوج ، بمنزلة جملة { قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب } في القصة الأولى ، وجملة { كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً } فجاء أسلوب حكاية هذه القصص الثلاث على نسق واحد .

و { يومئذ } هو يوم إتمام بناء السد المستفاد من قوله { فما اسطاعوا أن يظهروه } الآية .

و { يَمُوج } يضطرب تشبيهاً بموج البحر .

وجملة { يَمُوج } حال من { بعضهم } أو مفعول ثان ل { تَرَكنا } على تأويله ب ( جعلنا ) ، أي جعلنا ياجوج وماجوج يومئذ مضطربين بينهم فصار فسادهم قاصراً عليهم ودفع عن غيرهم .

والنار تأكل نفسها *** إن لم تجد ما تأكله

لأنهم إذا لم يجدوا ما اعتادوه من غزو الأمم المجاورة لهم رجع قويهم على ضعيفهم بالاعتداء .

{ وَنُفِخَ فِى الصور فجمعناهم جَمْعاً }

تخلصٌ من أغراض الاعتبار بما في القصة من إقامة المصالح في الدنيا على أيدي من اختاره الله لإقامتها من خاصة أوليائه ، إلى غرض التذكير بالموعظة بأحوال الآخرة ، وهو تخلص يؤذن بتشبيه حال تموجهم بحال تموج الناس في المحشر ، تذكيراً للسامعين بأمر الحشر وتقريباً بحصوله في خيال المشركين . فإن القادر على جمع أمة كاملة وراء هذا السد ، بفعل من يسره لذلك من خلقه ، هو الأقدر على جمع الأمم في الحشر بقدرته ، لأنّ متعلقات القدرة في عالم الآخرة أعجب . وقد تقدّم أن من أهم أغراض هذه السورة إثبات البعث . واستعمل الماضي موضع المضارع تنبيهاً على تحقيق وقوعه .

والنفخ في الصور تمثيلية مكنية تشبيهاً لحال الدّاعي المطاع وحال المدعو الكثير العدد السريع الإجابة ، بحال الجند الذين ينفذون أمر القائد بالنفير فينفخون في بوق النفير ، وبحال بقية الجند حين يسمعون بوق النفير فيسرعون إلى الخروج . على أنه يجوز أن يكون الصور من مخلوقات الآخرة .

والحالة الممثلة حالة غريبة لا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى .

وتأكيد فعلي { جمعناهم } و { عرضنا } بمصدريهما لتحقق أنه جمع حقيقي وعرض حقيقي ليسا من المجاز ، وفي تنكير الجمع والعرض تهويل .