قوله تعالى : { قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون* وأخي هارون هو أفصح مني لساناً } وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه ، { فأرسله معي ردءاً } عوناً ، يقال ردأته أي : أعنته ، قرأ نافع { رداً } بفتح الدال من غير همز طلباً للخفة ، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزاً ، { يصدقني } قرأ ابن عمرو وعامر وحمزة : برفع القاف على الحال ، أي : ردءاً مصدقاً ، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع ، قال مقاتل : لكي يصدقني فرعون ، { إني أخاف أن يكذبون } يعني فرعون وقومه .
{ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان في لسانه لثغة ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة ، حين خُيّر بينها وبين التمرة أو الدرّة ، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه ، فحصل فيه شدة في التعبير ؛ ولهذا قال : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي . وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [ طه : 27 - 32 ] أي : يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم ، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد . ولهذا قال : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا [ يُصَدِّقُنِي ] }{[22314]} ، أي : وزيرًا ومعينًا ومقويًّا لأمري ، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل ؛ لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد ؛ ولهذا قال : { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } .
وقال محمد بن إسحاق : { رِدْءًا يُصَدِّقُنِي } أي : يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم [ عني ]{[22315]} .
{ وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا } معينا وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء ، وقرأ نافع " ردا " بالتخفيف { يصدقني } بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة . { إني أخاف أن يكذبون } ولساني لا يطاوعني عند المحاجة ، وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب ، وقرأ عاصم وحمزة { يصدقني } بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف .
هذا سؤال صريح يدل على أن موسى لا يريد بالأول التنصل من التبليغ ولكنه أراد تأييده بأخيه . وإنما عيّنه ولم يسأل مؤيداً ما لعلمه بأمانته وإخلاصه لله ولأخيه وعلمه بفصاحة لسانه .
و { ردى } بالتخفيف مثل ( ردء ) بالهمز في آخره : العون . قرأه نافع وأبو جعفر { ردى } مخففاً . وقرأه الباقون { ردءاً } بالهمز على الأصل .
و { يصدقني } قرأه الجمهور مجزوماً في جواب الطلب بقوله { فأرسله معي } . وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أن الجملة حال من الهاء من { أرسله } .
ومعنى تصديقه إياه أن يكون سبباً في تصديق فرعون وملئه إياه بإبانته عن الأدلة التي يلقيها موسى في مقام مجادلة فرعون كما يقتضيه قوله { هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردى يصدقني } . فإنه فرع طلب إرساله معه على كونه أفصح لساناً وجعل تصديقه جواب ذلك الطلب أو حالاً من المطلوب فهو تفريع على تفريع ، فلا جرم أن يكون معناه مناسباً لمعنى المفرع عنه وهو أنه أفصح لساناً . وليس للفصاحة أثر في التصديق إلا بهذا المعنى .
وليس التصديق أن يقول لهم : صدق موسى ، لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة . فإسناد التصديق إلى هارون مجاز عقلي لأنه سببه ، والمصدقون حقيقة هم الذين يحصل لهم العلم بأن موسى صادق فيما جاء به .
وجملة { إني أخاف أن يكذبون } تعليل لسؤال تأييده بهارون ، فهذه مخافة ثانية من التكذيب ، والأولى مخافة من القتل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.