فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَخِي هَٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّي لِسَانٗا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِيَ رِدۡءٗا يُصَدِّقُنِيٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} (34)

{ وأخي هرون ، هو أفصح مني لسانا } أي : كلاما : لأنه كان في لسان موسى حبسة من وضع الجمة في فيه ، كما تقدم بيانه ، والفصاحة لغة الخلوص يقال : فصح اللبن ، وأفصح فهو فصيح ، أي : خاص من الرغوة ، ومنه فصح الرجل جادت لغته ، وأفصح تكلم بالعربي ، وقيل : الفصيح الذي ينطق والأعجم الذي لا ينطق ، وأما في اصطلاح أهل البيان ففصاحة الكلمة خلوصها عن تنافر الحروف والغرابة ، ومخالفة القياس . وفصاحة الكلام خلوصه من ضعف التأليف والتعقيد .

{ فأرسله معي ردءا } النصب على الحال أي : عونا والردء : المعين من أردأته إذا أعنته يقال : فلان ردء فلان إذا كان ينصره ، ويشد ظهره . وقيل : من قولهم أردى على المائة إذا زاد عليها فكأن المعنى : أرسله معي زيادة في تصديقي .

{ يصدقني } بالرفع على الاستئناف ، وبالجزم على جواب الأمر وقرأ أبيّ : يصدقوني ، أي فرعون وملؤه ، وقال ابن عباس : كي يصدقني ، أي هرون ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه بزيادة البيان في مظان الجدال ، وتقرير الحجة بتوضيحها ، وتزييف الشبهة ، وتلخيص الدلائل بلسانه .

والجواب عن شبهات الكفار ببيانه ليثبت دعواه لا أن يقول له : صدقت : ألا ترى إلى قوله هو أفصح مني ؟ وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لتقرير البرهان ؛ لا لقول صدقت ، فسحبان وباقل فيه يستويان ، وهذا هو الجاري مجرى التصديق كما يصدق القول بالبرهان .

{ إني أخاف أن يكذبون } إذا لم يكن معي هرون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة .