قوله تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر } ، آدمي ، وما هو من عند الله ، واختلفوا في هذا البشر : قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قيناً بمكة ، اسمه بلعام وكان نصرانياً ، أعجمي اللسان ، فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج ، فكانوا يقولون إنما يعلمه بلعام . وقال عكرمة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ غلاماً لبني المغيرة يقال له : يعيش ، وكان يقرأ الكتب ، فقالت قريش : { إنما يعلمه بشر } ، يعني : يعيش . وقال الفراء : قال المشركون : إنما يتعلم من عايش ، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى ، وكان قد أسلم وحسن إسلامه ، وكان أعجم اللسان . وقال ابن إسحاق :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام رومي نصراني ، عبد لبعض بني الحضرمي يقال له :جبر ، وكان يقرأ الكتب ، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل عين التمر ، يقال لأحدهما يسار ، يكنى أبا فكيهة ، ويقال للآخر جبر ، وكانا يصنعان السيوف بمكة ، وكانا يقرآن التوراة والإنجيل ، فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم ، وهما يقرآن ، فيقف ويستمع . قال الضحاك : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آذاه الكفار يقعد إليهما ويستريح بكلامهما ، فقال المشركون : إنما يتعلم محمد منهما ، فنزلت هذه الآية . قال الله تعالى تكذيباً لهم : { لسان الذي يلحدون إليه } ، أي : يميلون ويشيرون إليه ، { أعجمي } ، الأعجمي : الذي لا يفصح وإن كان ينزل بالبادية ، والعجمي منسوب إلى العجم ، وإن كان فصيحاً ، والأعرابي : البدوي ، والعربي منسوب إلى العرب ، وإن لم يكن فصيحاً ، { وهذا لسان عربي مبين } ، فصيح ، وأراد باللسان القرآن ، والعرب تقول : اللغة لسان ، وروي أن الرجل الذي كانوا يشيرون إليه أسلم وحسن إسلامه .
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت : أن محمدًا إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر ، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم ، غلام لبعض بطون قريش ، وكان بياعا يبيع عند الصفا ، فربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية ، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يَرُد جواب الخطاب فيما لا بد منه ؛ فلهذا قال الله تعالى رادًا عليهم في افترائهم ذلك : { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } ، يعني : القرآن ، أي : فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن ، في فَصَاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة ، التي هي أكمل من{[16697]} معاني كل كتاب نزل على نبي أرسل ، كيف يتعلم من رجل أعجمي ؟ ! لا يقول هذا من له أدنى مُسْكة{[16698]} من العقل .
قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في السيرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرًا ما يجلس عند المروة إلى مَبيعة غلام نصراني يقال له : جبر ، عبد لبعض بني الحضرمي ، [ فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بن الحضرمي ]{[16699]} فأنزل الله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }{[16700]}
وكذا قال عبد الله بن كثير : وعن عِكْرِمة وقتادة : كان اسمه : يعيش .
وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا إبراهيم بن طَهْمَان ، عن مسلم بن عبد الله الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قَينًا بمكة ، وكان اسمه بلغام ، وكان أعجمي اللسان ، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ، قالوا : إنما يعلمه بلغام ، فأنزل الله هذه الآية : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }{[16701]} .
وقال الضحاك بن مزاحم : هو سلمان الفارسي ، وهذا القول ضعيف ؛ لأن هذه الآية مكية ، وسلمان إنما أسلم بالمدينة ، وقال عبيد الله{[16702]} بن مسلم : كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابا لهما بلسانهما ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بهما{[16703]} ، فيقوم فيسمع منهما فقال المشركون : يتعلم منهما ، فأنزل الله هذه الآية .
وقال الزهري ، عن سعيد بن المسيب : الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتد بعد ذلك عن الإسلام ، وافترى هذه المقالة ، قبحه الله ! .
{ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلّمه بشر } ، يعنون : جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي . وقيل : جبرا ويسارا ، كانا يصنعان السيوف بمكة ، ويقرآن التوراة والإنجيل ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر عليهما ويسمع ما يقرآنه . وقيل : عائشا ، غلام حويطب بن عبد العزى ، قد أسلم وكان صاحب كتب . وقيل : سلمان الفارسي . { لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي } ، لغة الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه ، مأخوذ من لحد القبر . وقرأ حمزة والكسائي : " يلحدون " ، بفتح الياء والحاء ، لسان أعجمي غير بين . { وهذا } ، وهذا القرآن . { لسان عربيّ مبين } ، ذو بيان وفصاحة ، والجملتان مستأنفتان لإبطال طعنهم ، وتقريره يحتمل وجهين ، أحدهما : أن ما سمعه منه كلام أعجمي ، لا يفهمه هو ولا أنتم ، والقرآن عربي تفهمونه بأدنى تأمل ، فكيف يكون ما تلقفه منه . وثانيهما : هب أنه تعلم من المعنى باستماع كلامه لكن لم يتلقف منه اللفظ ؛ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي ، والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى فهو معجز من حيث اللفظ ، مع أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بملازمة معلم فائق في تلك العلوم مدة متطاولة ، فكيف تعلم جميع ذلك من غلام سوقي ، سمع منه في بعض أوقات مروره عليه كلمات أعجمية لعلهما لم يعرفا معناها ، وطعنهم في القرآن بأمثال هذه الكلمات الركيكة دليل على غاية عجزهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.