الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

قوله تعالى : { لِّسَانُ الَّذِي } : العامَّة على إضافة " لسان " إلى ما بعدَه . واللِّسانُ : اللغة . وقرأ الحسن : " اللسان " ، معرَّفاً بأل ، و " الذي " ، نعتٌ له . وفي هذه الجملة وجهان ، أحدُهما : لا محلَّ لها لاستئنافِها ، قاله الزمخشري . والثاني : أنها حالٌ مِنْ فاعل " يقولون " ، أي : يقولون ذلك والحالُ هذه ، أي : عِلْمُهم بأعجميةِ هذا البشرِ ، وإبانةِ عربيَّةِ هذا القرآنِ ، كان ينبغي أَنْ يمنَعهم من تلك المقالةِ ، كقولِك : " تَشْتُمُ فلاناً وهو قد أحسنَ إليك " ، أي : وعِلْمُك بإحسانِه إليك كان يمنعُك مِنْ شَتْمِهِ ، قاله الشيخ . ثم قال : " وإنما ذهب إلى الاستئنافِ لا إلى الحالِ ؛ لأنَّ مِنْ مذهبِه أنَّ مجيءَ الحالِ اسميةً من غيرٍ واوٍ شاذٌ ، وهو مذهبٌ مرجوحٌ تَبِع فيه الفراءَ " .

و " أعجميٌّ " ، خبرٌ على كلتا القراءتين . والأعجميُّ : مَنْ لم يتكلَّمْ بالعربية . وقال الراغب : " العَجَمُ خلافُ العرب ، والعجميُّ منسوبٌ إليهم ، والأَعْجَم مَنْ في لسانِه عُجْمَةٌ عربياً كان أو غيرَ عربي ؛ اعتباراً بقلة فَهْمِه من العُجْمة . والأعجميُّ منسوبٌ إليه ، ومنه قيل للبهيمة : " عَجْماءُ " ، من حيث إنها لا تُبِيْنُ ، و " صلاةُ النهارِ عَجْماء " ، أي : لا يُجْهَرُ فيها . والعَجَمُ : النَّوَى لاختفائِه . وحروف المعجم ، قال الخليل : " الحروفُ المقطَّعة ؛ لأنها أعجمية " قال بعضهم : معناه أنَّ الحروفَ المجردة لا تَدُلُّ على ما تَدُلُّ عليه الموصولةُ . وأَعْجمتُ الكتاب ، ضِدُّ أَعْرَبْتُه ، وأَعْجَمْتُه : أَزَلْتُ عُجْمَتَه ، كَأَشْكَيْتُه ، أي : أَزَلْتُ شِكايتَه ، وسيأتي لهذا أيضاً مزيدُ بيانٍ إنْ شاء الله في الشعراء ، وحم السجدة . وتقدَّم خلافُ القرَّاءِ في : " يُلْحِدُون " ، في الأعراف .