التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

قوله تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ( 103 ) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ( 104 ) إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ( 105 ) } ، زعم المشركون – سفها وغلوا في الجاهلية- أنه يعلم محمدا ( ص ) هذا القرآن أحد الناس ؛ فقد قيل : كان اسمه بلعام ، وهو عبد نصراني ، كان بمكة وكان أعجمي اللسان . وقيل : كان اسمه عائش ، أو يعيش ، وكان غلاما لحويطب ، قد أسلم وحسن إسلامه . وقيل : اسمه جبر ، وهو غلام رومي لعامل بن الحضرمي ، زعم المشركون أنه يعلم النبي القرآن ، ومثل هذا الزعم باطل وظالم وهراء . وهو تقول فاسد وسقيم لا يهرف به إلا جحود مفلس ، أو ضال موغل في الجهالة والسفه . فكيف يتلقى النبي ( ص ) هذا القرآن العربي المميز الفذ بكلامه وآياته وعباراته التي خلبت العقول والألباب ، وبهرت الأذهان والنفوس ، واستحوذت على نوابغ البيان واللسان أيما استحواذ ، - كيف يتلقى النبي هذا الكلام العجيب من أعجمي جهول لا ينطق العربية إلا بتكلف ؟ !

وذلك هو قوله تعالى : ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ، اللسان ، معناه : اللغة ، وهو مبتدأ ، وخبره ( أعجمي ) . والأعجمي : من لم يتكلم بالعربية ، وهو المنسوب إلى العجم . والأعجم : من في لسانه عجمة ، عربيا كان أو غير عربي ، أو هو من لا يفصح كالأعجمي والأخرس . والعجمي ، من جنسه العجم وإن أفصح ، وجمعه عجم . وقيل للبهيمة : عجماء : من حيث إنها لا تبين{[2614]} . و ( الذي يلحدون ) ، أي : يميلون إليه . لحد ، وألحد ، بمعنى : مال وعدل ، ومارى وجادل وظلم{[2615]} .

والمعنى : أن لغة الذي يميلون إليه بأنه يعلم محمدا القرآن ، لسانه أعجمي غير بين ، وهذا القرآن لسان عربي في غاية البيان والفصاحة . وبذلك فإن زعمهم هذا لا يستقيم ولا يساوي في ميزان الحقيقة والمنطق شيئا ، ولا يدل على غير اليأس والإفلاس ، وبالغ الجحود والسفه .


[2614]:- القاموس المحيط ص 1466 والدر المصون جـ 7 ص 287.
[2615]:- القاموس المحيط ص 404.