إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ} (103)

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ } ، غيرَ ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء . { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ } ، أي : القرآنَ ، { بَشّرَ } ، على طريق البتّ ، مع ظهور أنه نزّله روحُ القدس عليه الصلاة والسلام ، وتحليةُ الجملةِ بفنون التأكيدِ لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد ، وصيغةُ الاستقبال لإفادة استمرارِ العلم بحسب الاستمرارِ التجدّدي في متعلَّقه فإنهم مستمرون على تفوّه تلك العظيمةِ ، يعنون بذلك جبراً الروميَّ غلامَ عامر بنِ الحضرمي ، وقيل : جبراً ويساراً ، كانا يصنعان السيفَ بمكة ، ويقرآن التوراة والإنجيلَ ، وكان الرسولُ عليه الصلاة والسلام يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه ، وقيل : عابساً غلامَ حويطِب بنِ عبدِ العزى ، [ كان ] قد أسلم ، وكان صاحبَ كتب ، وقيل : سلمانَ الفارسي ، وإنما لم يصرَّح باسم من زعموا أنه يعلمه ، مع كونه أدخلَ في ظهور كذبِهم للإيذان بأن مدار خطابهم ليس نسبتَه عليه السلام إلى التعلم من شخص معينٍ بل من البشر كائناً مَنْ كان ، مع كونه عليه السلام معدِناً لعلوم الأولين والآخرين . { لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ } ، الإلحادُ : الإمالةُ ، مِنْ ألحد القبرَ ، إذا أمال حفرَه عن الاستقامة فحفر في شق منه ، ثم استُعير لكل إمالةٍ عن الاستقامة فقالوا : ألحد فلانٌ في قوله وألحد في دينه ، أي : لغةُ الرجلِ الذي يُميلون إليه القول عن الاستقامة أعجميةٌ غيرُ بيِّنةٍ ، وقرئ بفتح الياء والحاء ، وبتعريف اللسان . { وهذا } ، أي : القرآنُ الكريم ، { لِسَانٌ عَرَبِيّ مُّبِينٌ } ، ذو بيان وفصاحةٍ ، والجملتان مستأنَفتان لإبطال طعنهم ، وتقريرُه أن القرآن معجزٌ بنظمه كما أنه معجزٌ بمعناه ، فإن زعمتم أن بشراً يعلّمه معناه ، فكيف يعلّمه هذا النظمَ الذي أعجز جميعَ أهل الدنيا ؟ ! والتشبثُ في أثناء الطعن بأذيال أمثالِ هذه الخرافاتِ الركيكة دليلٌ على كمال عجزهم .