معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

قوله تعالى : { لا فيها غول } قال الشعبي : لا تغتال عقولهم فتذهب بها . قال الكلبي : إثم . وقال قتادة : وجع البطن . وقال الحسن : صداع . وقال أهل المعاني : ( ( الغول ) ) فساد يلحق في خفاء ، يقال : اغتاله اغتيالاً إذا أفسد عليه أمره في خفية ، وخمرة الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد ، منها السكر وذهاب العقل ، ووجع البطن ، والصداع ، والقيء ، والبول ، ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة . { ولا هم عنها ينزفون } قرأ حمزة و الكسائي : ( ( ينزفون ) ) بكسر الزاي ، وافقهما عاصم في الواقعة ، وقرأ الآخرون بفتح الزاي فيهما ، فمن فتح الزاي فمعناه : لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون ، يقال : نزف الرجل فهو منزوف ونزيف ، إذا سكر ، ومن كسر الزاي فمعناه : لا ينفد شرابهم ، يقال : أنزف الرجل فهو منزف ، إذا فنيت خمره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

وعلى ذكر عباد الله المخلصين - الذين استثناهم من تذوق العذاب الأليم - يعرض صفحة هؤلاء العباد المخلصين في يوم الدين . ويعود العرض متبعاً نسق الإخبار المصور للنعيم الذي يتقلبون في أعطافه - في مقابل ذلك العذاب الأليم للمكذبين - :

( أولئك لهم رزق معلوم . فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم . على سرر متقابلين . يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون . وعندهم قاصرات الطرف عين . كأنهن بيض مكنون . . . ) .

وهو نعيم مضاعف يجمع كل مظاهر النعيم . نعيم تستمتع به النفس ويستمتع به الحس . وتجد فيه كل نفس ما تشتهيه من ألوان النعيم .

فهم - أولاً - عباد الله المخلصون . وفي هذه الإشارة أعلى مراتب التكريم . وهم - ثانياً -( مكرمون )في الملأ الأعلى . وياله من تكريم ! ثم إن لهم( فواكه )وهم على ( سرر متقابلين ) . وهم يخدمون فلا يتكلفون شيئاً من الجهد في دار الراحة والرضوان والنعيم : ( يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) . . وتلك أجمل أوصاف الشراب ، التي تحقق لذة الشراب ، وتنفي عقابيله . فلا خمار يصدع الرؤوس ، ولا منع ولا انقطاع يذهب بلذة المتاع !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

وجملة { لا فِيها غَوْلٌ } صفة رابعة لكأس باعتبار إطلاقه على الخمر .

والغَول ، بفتح الغيْن : ما يعتري شارب الخمر من الصداع والألم ، اشتق من الغَول مصدرِ غاله ، إذا أهلكه . وهذا في معنى قوله تعالى : { لا يصدعون عنها } [ الواقعة : 19 ] .

وتقديم الظرف المسند على المسند إليه لإِفادة التخصيص ، أي هو منتففٍ عن خمر الجنة فقط دونَ ما يعرف من خمر الدنيا ، فهو قصر قلب . ووقوع { غَوْلٌ } وهو نكرة بعد { لا } النافية أفاد انتفاء هذا الجنس من أصله ، ووجب رفعه لوقوع الفصل بينه وبين حرف النفي بالخبر .

وجملة { ولا هم عنها يُنزفون } معطوفة على جملة { لا فيها غَوْلٌ } .

وقدّم المسند عليه على المسند ، والمسند فعل ليفيد التقديم تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي ، أي بخلاف شاربي الخمر من أهل الدنيا .

و { يُنزَفُونَ } مبني للمجهول في قراءة الجمهور يقال : نُزف الشارب ، بالبناء للمجهول إذا كان مجرداً ( ولا يُبنى للمعلوم ) فهو منزوف ونزيف ، شبهوا عقل الشارب بالدم يقال : نُزف دمُ الجريح ، أي أُفرغ . وأصله من : نَزفَ الرجُلُ مَاءَ البئر متعدياً ، إذا نَزحه ولم يُبق منه شيئاً . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { يُنزِفُونَ } بضم اليَاء وكسر الزاي من أُنزف الشاربُ ، إذا ذهب عقله ، أي صار ذَا نَزَف ، فالهمزة للصيرورة لا للتعدية .