تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

الآية 47 وقوله تعالى : { لا فيها غَوْلٌ ولا هُم عنها يُنزَفون } وينزِفون{[17717]} : بنصب الياء وكسر الزاي ، ورفعها ونصب الزاي .

وقوله تعالى : { لا فيها غول } أي لا آفة فيها ، ولا ضرر ، ولا أذى ، { ولا هم عنها يُنزَفون } من قرأها ينزفون برفع الياء ونصب الزاي فيقول : لا تنزف الخمر عقولهم ، أي لا تذهب بها ، أي لا يسكرون كما يُسكر بشرب خمور الدنيا . ومن قرأها : ينزِفون [ فيقول : يُفنون ]{[17718]} شرابهم . وتأويل هذا{[17719]} الكلام أن أهل الدنيا إذا أخذوا في الشرب لا يتركون شربهم إلا لإحدى{[17720]} الخلّتين : إما لذهاب عقولهم ، وذلك عند شدة شكرهم ، وإما لفناء الشراب{[17721]} . لإحدى هاتين الخلّتين يتركون شربهم ، فيخبر أن أهل الجنة لا تذهب عقولهم الخمر ، ولا يُفنون شرابهم ، ولا كان فيها آفة ولا ضرر ، والله أعلم .

قال أبو عوسجة : { معين } ظاهر لا يتحرك ، ويقال : الجاري { لا فيها غول } أي سكر ولا ضرر . ولا يكون الاغتيال إلا من الخديعة . والغيل في الأولاد وهو{[17722]} أن تُرضع المرأة ولدها ، وفي بطنها آخر . والمَغُول{[17723]} المُتلوِّن . ولذلك{[17724]} سميت الغول غولا لأنها تتلوّن ، والغيلان جميع { ينزفون } النزيف{[17725]} السكران .

وقال القتبي : { لا فيها غول } أي لا تغتال عقولهم ، فتذهب بها . يقال : الخمر غول للحلم ، والحرب غول للنفوس .

والغول : العدو { ولا هم عنها يُنزفون } أي لا تذهب خمرهم ، وتنقطع ، وتذهب عقولهم . والخمر التي جعلها الله لأهل الجنة في الآخرة هي للذي لم يشربها في الدنيا ، ولم يتناول منها ، ولا تلذّذ بها ، والله أعلم .

وقيل : { لا فيها غول } أي غائلة ، أي لا يَيْجَعُ منها الرأس { ولا هم عنها ينزفون } أي لا يسكرون ، تنزف عقولهم ، فتذهب [ بها ]{[17726]} .

وفي قوله : { إلا عباد الله المخلصين } بنصب اللام دلالة أنه قد كان من الله عز وجل لطف ، به استوجبوا الإخلاص والخصوصية . وهو ينقض على المعتزلة قولهم .


[17717]:انظر معجم القراءات القرآنية ح5/235.
[17718]:في الأصل و م: أي يفنى.
[17719]:من م، في الأصل: هذه.
[17720]:من م، في الأصل: لأحد.
[17721]:في الأصل و م: الشرب.
[17722]:في الأصل وم: وهي.
[17723]:في الأصل و م: والمغلول.
[17724]:في الأصل و م: وكذلك.
[17725]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال.
[17726]:ساقطة من الأصل وم.