النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

قوله عز وجل : { لا فيها غَوْلٌ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أي ليس فيها صداع ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

الثاني : ليس فيها وجع البطن ، قاله مجاهد{[2330]} .

الثالث : ليس فيها أذى{[2331]} ، قاله الفراء وعكرمة وهذه الثلاثة متقاربة لاشتقاق الغول من الغائلة .

الرابع : ليس فيها إثم ؛ قاله الكلبي .

الخامس : أنها لا تغتال عقولهم ، قاله السدي وأبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر :

وهذا من الغيلة أن *** يصرع واحد واحدا

{ ولا هم عنها ينزفون } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : لا تنزف العقل ولا تذهب الحلم بالسكر ، قاله عطاء ، ومنه قول الشاعر :

لعمري لئن أنزفتم أو صحوتُم *** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا{[2332]}

الثاني : لا يبولون ، قاله ابن عباس ، وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال .

الثالث : أي لا تفنى مأخوذ من نزف الركية ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، ومنه قول الشاعر :

دعيني لا أبالك أن تطيقي *** لحاك الله قد أنزفت ريقي

وقد يختلف هذا التأويل باختلاف القراءة ، فقرأ حمزة والكسائي ينزفون بكسر الزاي ، وقرأ الباقون يُنزَفون بفتح الزاي ، والفرق بينهما أن الفتح من نزف فهو منزوف إذا ذهب عقله بالسكر ، والكسر من أنزف فهو منزوف{[2333]} إذا فنيت خمره ، وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع عنهم التذاذ نعيمهم .


[2330]:القول الثاني ساقط من ك.
[2331]:في ك أذى ولا فساد.
[2332]:البيت للحطيئة، وقد نسبه الجوهري للأبيردي.
[2333]:هكذا في الأصول، والقياس أن يقال أنزف فهو منزف لأن اسم المفعول من الرباعي المزيد بالهمزة يكون على وزن مفعل.