اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

قوله : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } صفة أيضاً{[46976]} وبطل عمل لا وتكررت لتقدم{[46977]} خبرها ، وتقدم{[46978]} أول البقرة فائدة تقديم مثل هذا الخبر ، والبحثُ مع أبي حيان فيه .

قال الفراء : العرب تقول ليس فيها غِيلَةٌ وغائلةٌ وغُول ( وغَوْل ){[46979]} سواء{[46980]} ، وقال أبو عبيدة : الغَوْلُ أن تغتال{[46981]} عقولهم{[46982]} وأنشد قول مطيع بن إياس :

4198 - وَمَا زَالَتِ الْكَأسُ تَغْتَالُهُمْ . . . وَتَذْهَبُ بالأَوَّل فَالأّوَّلِ{[46983]}

وقال الليث : الغول الصداع والمعنى ليس فيها صداع كما في خمر الدنيا{[46984]} ، وقال الواحدي : الغَوْل حقيقته الإهلاك ، يقال : غَالَهُ غَوْلاً واغْتَالَهُ أهْلَكَهُ ، والغَوْل والغَائلُ المهلك وسُمِّي ( وَطْءُ ){[46985]} المرضع غَوْلاً لأنه يؤدي إلى الهلاك ، والغول كلُّ ما اغتالك أي أهلَكك ، ومنه الغُولُ بالضم شيء تَوَهَّمَتْهُ العرب ولها فيه أشعار{[46986]} كالعَنْقَاء{[46987]} يقال : غَالِني كذا ومنه الغِيلَة في العقل والرضاع قال :

4199- مَضَى أَوَّلُونَا نَاعِمِينَ بِعَيْشِهِمْ . . . جَمِعياً وَغَالتنِي بِمَكَّةَ غُولُ{[46988]}

فالغول اسم لجميع الأذى . وقال الكلبي : لا فيها إثمٌ{[46989]} ، وقال قتادة : وَجَعُ البطن{[46990]} . وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق أمره في خفية ، وخمر الدنيا يحصل فيها أنواع من الفساد منها السُّكْرُ وذَهَابُ العقل ووجع البطن والصُّدَاع والقيءُ والبَوْل ولا يوجد شيء من ذلك من خمر{[46991]} الجنة .

قوله : { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } قرأ الأخوان «ينزفون » هنا ، وفي الواقعة{[46992]} ، بضم الياء وكسر الزاي . وافقهما عاصمٌ على ما في الواقعة فقط . والباقون بضم الياء وفتح الزاي{[46993]} . وابن أبي إسحاق بالفتح والكسر{[46994]} . وطلحة بالفتح والضم{[46995]} فالقراءة الأولى من أَنْزَفَ الرَّجُلُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ من السكر فهو نَزِيفٌ وَمنزُوفٌ ، وكان قياسه مُنِزْفٌ كمُكْرِم ، ونَزَفَ الرجلُ الخمْرةَ فَأنْزَفَ هو ثُلاَثيُّهُ متعددٌ ورباعيه بالهمزة قاصر وهو نحو : كَبَبْتُهُ فأَكَبَّ وقَشعَت الريحُ السَّحابَ فَأَقْشَعَ أي دخلا في الكَبِّ والقَشْعِ{[46996]} وقال الأسود :

4200- لَعْمرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُم أَوْ صَحَوْتُمُ . . . لَبْئِسَ النَّدَامَى أَنْتُمْ آلَ أَبْجَرَا{[46997]}

ويقال : أنزف أيضاً أي نَفِذَ{[46998]} شَرَابُهُ . وأما الثانية فمن نزف أيضاً بالمعنى المتقدم وقيل هو من قولهم : نَزَفتِ الرَّكِيَّةُ أي نَزَحَتْ{[46999]} ماءها . والمعنى أنهم لا تذهب خمورهم{[47000]} بل هي باقية أبداً ، وضمن يَنْزِفُونَ معنى يصدون عنها بسبب النَّزِيفِ .

وأما القراءتان الأخيرتان{[47001]} فيقال : نَزِف الرجلُ ونَزُفَ بالكسر والضم بمعنى ذهب عقله بالسّكر ،


[46976]:قاله السمين 4/549 فتحصل أن هناك صفات خمسا "لكأس" هي: "من معين" و "بيضاء" ولذة، وللشاربين و "لا فيها غول".
[46977]:وهو: "فيها". ومعروف أن لا النافية للجنس تعمل إذا كان اسمها نكرة وكذلك الخبر إذا لم يتقدم خبرها على اسمها وإذا قصد بها النفي العام وأن لا يفصل بين لا والنكرة بشيء وأن لا تكون النكرة غير معمولة لغير لا.
[46978]:عند قوله: {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} الآية 38 وبين هناك أن التقديم لتأكيد المعنى وتثبيته أول الأمر كما بين أن أناسا يجيزون إعمال لا والحالة هذه من هؤلاء الرماني فقد جوز النصب في قوله: "لا فيها غولا" وقد حكى: لا كذلك رجلا، ولا كزيد رجلا ولا كالعشية زائرا وأجيب بالتأويل. اللباب 1/58.
[46979]:زيادة من المعاني .
[46980]:المعاني 2/385.
[46981]:كذا هي في المجاز وما في ب: يغتال.
[46982]:المجاز 2/169.
[46983]:من المتقارب وانظر: البحر 7/350 والمجاز 2/169 والقرطبي 15/79 ومجمع البيان 7/690 وابن كثير 4/7 وفتح القدير 4/393 والرازي 26/137 والطبري 23/31 واللسان: "غ و ل" 3319.
[46984]:اللسان "غ و ل" 3317.
[46985]:زيادة من أ.
[46986]:اللسان 3319.
[46987]:وهي طائر ضخم ليس بالعقاب. انظر: اللسان " ع ن ق" 3136.
[46988]:من الطويل ولم أعرف قائله وشاهده أن الغول العوائق أي عاقتني عوائق وانظر: البحر 7/350.
[46989]:نقله القرطبي 15/79.
[46990]:السابق.
[46991]:انظر: معالم التنزيل للبغوي 6/23.
[46992]:الآية 19 منها، وهي: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون}.
[46993]:من القراءات المتواترة وانظر: حجة ابن خالويه 302 والكشف 2/224 والسبعة 547 والإتحاف 369 والنشر 2/357 ومعاني الفراء 2/285.
[46994]:نقلها صاحب البحر 7/360، والدر 4/549.
[46995]:المرجعان السابقان وانظر أيضا الكشاف 3/340.
[46996]:السابق وانظر أيضا الكشف لمكي 2/224 ولسان العرب (نزف) 4397 و 4398.
[46997]:البيت مختلف في نسبته فقد نسب في المجاز 2/169 إلى الأبيرد ونسبه القرطبي للحطيئة والسمين وأبو حيان إلى الأسود العنسي. وشاهده: استعمال (أنزف) رباعيا قاصرا وغير متعد. وانظر: القرطبي 15/79 والبحر 7/350 والسمين 4/549، والمحتسب 2/308 والكشاف 3/340.
[46998]:في ب: فقد. وانظر: المعاني 2/385.
[46999]:الكشاف 3/340 والكشف 2/224 والركية: البئر تحفر؛ اللسان "ركا" 1722 و 4397 "ن ز ف".
[47000]:في ب: جمودهم. لحن وخطأ.
[47001]:وهي قراءة ينزفون بفتح الياء وكسر الزاي، وينزفون بالفتح والضم وانظر: الدر المصون 4/500.