معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِحٖۚ وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيدٖ} (89)

قوله تعالى : { ويا قوم لا يجرمنكم } ، لا يحملنكم ، { شقاقي } ، خلافي { أن يصيبكم } ، أي : على فعل ما أنهاكم عنه ، { مثل ما أصاب قوم نوح } ، من الغرق ، { أو قوم هود } ، من الريح ، { أو قوم صالح } ، من الصيحة ، { وما قوم لوط منكم ببعيد } ، وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط . وقيل معناه وما دار قوم لوط منكم ببعيد ، وذلك أنهم كانوا جيران قوم لوط .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِحٖۚ وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيدٖ} (89)

84

( ويا قوم لا يجر منكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح . وما قوم لوط منكم ببعيد ) . .

لا يجملنكم الخلاف معي والعناد في مواجهتي على أن تلجوا في التكذيب والمخالفة ، خشية أن يصيبكم ما أصاب الأقوام قبلكم . وهؤلاء قوم لوط قريب منكم في المكان . وقريب كذلك في الزمان . فمدين كانت بين الحجاز والشام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِحٖۚ وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيدٖ} (89)

{ لا يجرمنكم } معناه : لا يكسبنكم ، يقال : جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه ، كما يقال : كسب وأكسب بمعنى{[6477]} ، ومن ذلك قول الشاعر :

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة*** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا{[6478]}

وقرأ الجمهور «يَجرمنكم » بفتح الياء ، وقرأ الأعمش وابن وثاب «يُجرمنكم » بضمها ، و { شقاقي } معناه : مشاقتي وعداوتي{[6479]} ، و { أن } مفعولة ب { يجرمنكم } .

وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهداً بقصة قوم شعيب ، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد ، فكأنه قال : وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة ، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط .

وقرأ الجمهور «مثلُ » بالرفع على أنه فاعل { يصبكم } وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق «مثلَ » بالنصب ، وذلك على أحد وجهين : إما أن يكون «مثل » فاعلاً ، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن ، فإن «مثل » قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفاً محضاً .

وإما أن يقدر الفاعل محذوفاً يقتضيه المعنى ، ويكون «مثلَ » منصوباً على النعت لمصدر محذوف تقديره : إصابة مثل .


[6477]:- (جرم) في التعدية مثل (كسب)، يتعدى إلى واحد فتقول: جرم فلان الذنب، وكسب زيد المال، ويتعدى إلى اثنين فتقول: جرمت زيدا الذنب، وكسبت زيدا المال، وبالألف يتعدى إلى اثنين أيضا، تقول: أجرم زيد عمرا الذنب، وأكسبت زيدا المال.
[6478]:- هذا البيت قاله أسماء بن الضريبة، وفزارة تروى مرفوعة بمعنى حق لها الغضب، وتروى منصوبة والمعنى: جرمتهم الطعنة أن يغضبوا، والمشهور "طعنت" بتاء المتكلم، ولكن الصواب أنه يخاطب غيره فهي بالفتح. (راجع اللسان والتاج) هذا وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت في المائدة، وفي غيرها.
[6479]:- (شقاقي) في موضع رفع، و{أن يصيبكم} في موضع نصب، والمعنى: لا تحملنكم معاداتي على ترك الإيمان فيصيبكم ما أصاب الكفار، وهذا قول الحسن وقتادة، والشقاق بمعنى العداوة، لأن كل واحد في شقّ، ومنه قول الأخطل: ألا من مبلغ عني رسولا فكيف وجدتم طعم الشقاق؟ والمراد بالرسول هنا الرسالة، وهي ما ذكره في الشطر الثاني، أي: كيف وجدتم نتيجة العداوة؟
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِحٖۚ وَمَا قَوۡمُ لُوطٖ مِّنكُم بِبَعِيدٖ} (89)

تقدم الكلام على النكتة في إعادة النداء في الكلام الواحد لمخاطب متّحد قريباً .

وتقدم الكلام على { لا يجرمنكم } عند قوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تَعتدوا } في أول [ العقود : 2 ] ، أي لا يكسبنكم .

والشقاق : مصدر شاقّه إذا عاداه . وقد مضت عند قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } في أول [ الأنفال : 13 ] .

والمعنى : لا تجر إليكم عداوتكم إياي إصابتَكم بمثل ما أصاب قوم نوح إلى آخره ، فالكلام في ظاهره أنه ينهى الشقاق أن يجر إليهم ذلك . والمقصود نهيهم عن أن يجعلوا الشّقاق سبباً للإعراض عن النظر في دعوته ، فيوقعوا أنفسهم في أن يصيبهم عذاب مثل ما أصاب الأمم قبلهم فيحسبوا أنهم يمكرون به بإعراضهم وما يمكرون إلاّ بأنفسهم .

ولقد كان فضْح سوء نواياهم الدّاعية لهم إلى الإعراض عن دعوته عقب إظهار حسن نيّته ممّا دعاهم إليه بقوله : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت } [ هود : 88 ] مصادفاً مَحزّ جَوْدة الخطابة إذ رماهم بأنّهم يعملون بضدّ ما يعاملهم به .

وجملة { وما قوم لوط منكم ببعيد } في موضع الحال من ضمير النّصب في قوله : { أن يصيبكم } والواو رابطة الجملة . ولمعنى الحال هنا مزيد مناسبة لمضمون جملتها إذ اعتبر قرب زمانهم بالمخاطبين كأنّه حالة من أحوال المخاطبين .

والمراد بالبُعد بُعد الزمن والمكان والنسب ، فزمن لوط عليه السّلام غير بعيد في زمن شعيب عليه السّلام ، والدّيار قريبة من ديارهم ، إذ منازل مدين عند عقبة أيلة مجاورة معان ممّا يلي الحجاز ، وديار قوم لوط بناحية الأردن إلى البحر الميت وكان مدين بن إبراهيم عليهما السّلام وهو جد القبيلة المسماة باسمه ، متزوجاً بابنة لوط .