{ ويا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } أي لا يَكسِبنّكم ، من جرَمتُه ذنباً مثلُ كسبته مالاً { شقاقي } معاداتي وأصلُهما أن أحد المتعادِيَين يكون في عُدوةٍ وشقَ والآخرُ في آخرَ { أَن يُصِيبَكُمُ } مفعولٌ ثانٍ ليجرمنكم أي لا تكسِبْكم معاداتُكم لي أن يصيبكم { مثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ } من الغرق { أَوْ قَوْمَ هُودٍ } من الريح { أَوْ قَوْمَ صالح } من الصيحة والرجفةِ ، وقرأ ابن كثير بضم الياء من أجرمتُه ذنباً إذا جعلته جارِماً له أي كاسباً وهو منقول من جرم المتعدي إلى مفعول واحد كما نقل أكسبه المالَ من كسب المالَ فكما لا فرق بين كسبته مالاً وأكسبته إياه لا فرق جرَمته ذنباً وأجرمتُه إياه في المعنى ، إلا أن الأولَ أصحُ وأدور على ألسنة الفصحاءِ وقرأ أبو حيوة مثلَ ما أصاب بالفتح لإضافته إلى غير متمكن{[426]} كقوله : [ البسيط ]
لم يمنع الشربَ منها غير أن نطَقت *** حمامةٌ في غصون ذاتُ أوقالِ{[427]}
وهذا وإن كان بحسب الظاهرِ نهياً للشقاق عن كسب إصابةِ العذابِ لكنه في الحقيقة نهيٌ للكفرة عن مشاقّته عليه السلام على ألطف أسلوبٍ وأبدعِه كما مر في سورة المائدة عند قوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ } الآية 2 { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ منكُم بِبَعِيدٍ } زماناً أو مكاناً ، فإن لم تعتبروا بمن قبلَهم من الأمم المعدودةِ فاعتبروا بهم ، فكأنه إنما غير أسلوبَ التحذيرِ بهم ولم يصرِّح بما أصابهم بل اكتفى بذكر قربِهم إيذاناً بأن ذلك مغنٍ عن ذكره لشهرة كونِه منظوماً في سِمْطِ ما ذُكر من دواهي الأممِ المرقومة أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمعاصي فلا يبعُد أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابكم ، وإفرادُ البعيدِ مع تذكيره لأن المراد وما إهلاكُهم على نية المضافِ أو وما هم بشيء بعيد ، لأن المقصودَ إفادةُ عدم بعدِهم على الإطلاق لا من حيث خصوصيةُ كونِهم قوماً أو ما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد ، ولا يبعُد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق ، ولما أنذرهم عليه السلام بسوء عاقبة صنيعِهم عقّبه طمعاً في ارعوائهم عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال : { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.