معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (160)

قوله تعالى : { إن ينصركم الله } . يعنكم الله ويمنعكم من عدوكم .

قوله تعالى : { فلا غالب لكم } . مثل يوم بدر .

قوله تعالى : { وإن يخذلكم } . يترككم فلم ينصركم كما كان بأحد ، والخذلان القعود عن النصر والإسلام للهلكة .

قوله تعالى : { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } . أي من بعد خذلانه .

قوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } . قيل التوكل أن لا تعصي الله من أجل رزقك ، وقيل : أن لا تطلب لنفسك ناصراً غير الله ولا لرزقك خازناً غيره ولا لعملك شاهداً غيره .

أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع البزاز ببغداد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري ، أخبرنا محمد بن أبي العوام ، أخبرنا وهب ابن جرير ، أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل سبعون ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب قيل : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم الذين لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقال عكاشة بن محصن : يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم ، قال : أنت منهم ثم قام آخر فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها عكاشة " .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن حياة بن شريح ، حدثني بكر بن عمرو ، عن عبد الله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (160)

121

ولتقرير حقيقة التوكل على الله ، وإقامتها على أصولها الثابتة ، يمضي السياق فيقرر أن القوة الفاعلة في النصر والخذلان هي قوة الله ، فعندها يلتمس النصر ، ومنها تتقى الهزيمة ، وإليها يكون التوجه ، وعليها يكون التوكل ، بعد اتخاذ العدة ، ونفض الأيدي من العواقب ، وتعليقها بقدر الله :

( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ؟ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

إن التصور الإسلامي يتسم بالتوازن المطلق بين تقرير الفاعلية المطلقة لقدر الله - سبحانه - وتحقق هذا القدر في الحياة الإنسانية من خلال نشاط الإنسان وفاعليته وعمله . . إن سنة الله تجري بترتيب النتائج على الأسباب . ولكن الأسباب ليست هي التي " تنشىء " النتائج . فالفاعل المؤثر هو الله . والله يرتب النتائج على الأسباب بقدره ومشيئته . . ومن ثم يطلب إلى الإنسان أن يؤدي واجبه ، وأن يبذل جهده ، وأن يفي بالتزاماته . وبقدر ما يوفي بذلك كله يرتب الله النتائج ويحققها . . وهكذا تظل النتائج والعواقب متعلقة بمشيئة الله وقدره . هو وحده الذي يأذن لها بالوجود حين يشاء ، وكيفما يشاء . . وهكذا يتوازن تصور المسلم وعمله . فهو يعمل ويبذل ما في طوقه ؛ وهو يتعلق في نتيجة عمله وجهده بقدر الله ومشيئته . ولا حتمية في تصوره بين النتائج والأسباب . فهو لا يحتم أمرا بعينه على الله !

وهنا في قضية النصر والخذلان ، بوصفهما نتيجتين للمعركة - أية معركة - يرد المسلمين إلى قدر الله ومشيئته ؛ ويعلقهم بإرادة الله وقدرته : إن ينصرهم الله فلا غالب لهم . وأن يخذلهم فلا ناصر لهم من بعده . . وهي الحقيقة الكلية المطلقة في هذا الوجود . حيث لا قوة إلا قوة الله ، ولا قدرة إلا قدرته ، ولا مشيئة إلا مشيئته . وعنها تصدر الأشياء والأحداث . . ولكن هذه الحقيقة الكلية المطلقة لا تعفي المسلمين من اتباع المنهج ، وطاعة التوجيه ، والنهوض بالتكاليف ، وبذلك الجهد ، والتوكل بعد هذا كله على الله :

( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

وبذلك يخلص تصور المسلم من التماس شيء من عند غير الله ؛ ويتصل قلبه مباشرة بالقوة الفاعلة في هذا الوجود ؛ فينفض يده من كل الأشباح الزائفة والأسباب الباطلة للنصرة والحماية والالتجاء ؛ ويتوكل على الله وحده في أحداث النتائج ، وتحقيق المصاير ، وتدبير الأمر بحكمته ، وتقبل ما يجيء به قدر الله في اطمئنان أيا كان .

إنه التوازن العجيب ، الذي لا يعرفه القلب البشري إلا في الإسلام .

/خ179

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (160)

ثم ثبت تعالى المؤمنين بقوله : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } أي فالزموا الأمور التي أمركم بها ووعدكم النصر معها ، و «الخذل » : هو الترك في مواطن الاحتياج إلى التارك ، وأصله من خذل الظباء ، وبهذا قيل لها : خاذل إذ تركتها أمها ، وهذا على النسب أي ذات خذل لأن المتروكة هي الخاذل بمعنى مخذولة ، وقوله تعالى : { فمن ذا الذي ينصركم } تقدير جوابه : لا من- والضمير في { بعده } يحتمل العودة على المكتوبة ، ويحتمل العودة على الخذل الذي تضمنه قوله { إن يخذلكم } .