قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } شرطٌ وجوابه ، وكذلك قوله : { وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي } وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب - كذا قاله أبو حيان . يعني من الغيبة في قوله : { لِنتَ لَهُمْ } وقوله : { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } وقوله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ } قال شهاب الدين : وفيه نظر . وجاء قوله : { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } جواباً للشرطِ ، وهو نفيٌ صريحٌ ، وقوله : { فَمَن ذَا الَّذِي } - وهو متضمن للنفي - جوابٌ للشرط الثاني ، تلطفاً بالمؤمنين ، حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول ، ولم يصرح لهم بأنه لا ناصر لهم في الثاني بل أتى به في صورة الاستفهام - وإن كان معناه نفياً .
وقوله : { فَمَن ذَا الَّذِي } قد تقدم مثله في البقرة{[6147]} .
والهاء - في قوله : { مِّنْ بَعْدِهِ } - فيها وجهان :
أحدهما - وهو الأظهر - : أنها تعود على " اللَّه " تعالى ، وفيه احتمالانِ :
الأول : أن يكون ذلك على حذف مضاف ، أي : من بعد خذلانه .
الثاني : إنه يحتاج إلى ذلك ، ويكون معنى الكلامِ : إنكم إذا جاوزتموه إلى غيره - وقد خذلكم - فمن يجاوزه إليه وينصركم ؟
ثانيهما : أن يعود على الخذلان المفهوم من الفعل ، وهو نظيرُ قوله : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة : 8 ] .
قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ } يعنكم ويمنعكم من عدوكم { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } مثل يوم بدر { وَإِن يَخْذُلْكُمْ } يترككم كما أن بأُحُدٍ - لم ينصركم أحَدٌ . والخذلان : القعود عن النصرة . قراءة الجمهور { يَخْذُلْكُمْ } - بفتح الياء - من خَذَله - ثلاثياً - .
وقرأ عمرو بن عبيد : " يُخْذِلْكُم " - بضم الياء{[6148]} - من أخْذَلَ - رباعياً - والهمزة فيه لجعل الشيء ، أي : إن يجعلكم مخذولين ، والخَذْل والخُذلان - ضد النصر - وهو ترك من يظن به النُّصرة ، وأصله من خَذَلَت الظبيةُ ولدَها - إذا تركته منفرداً - ولهذا قيل لها : خاذل ويقال للولدِ المتروك - أيضاً - : خاذل ، وهذا النَّسَبِ ، والمعنى : أنَّها مخذولة .
بِجِيدِ مُغْزِلَةٍ أدْمَاءَ خَاذِلَةٍ *** مِنَ الظِّبَاءِ تُرَاعِي شَادِناً خَرِقا{[6149]}
ويقال له - أيضاً - : خذول ، فعول بمعنى مفعول .
خَذُولٌ تُرَاعِي رَبْرَباً بِخَمِيلَةٍ *** تَنَاوَلُ أطْرَافَ الْبريرِ وتَرْتَدِي{[6150]}
ومنه يقال : تخاذلَتْ رجلا فلان .
بَيْنَ مَغْلوبٍ كَريمٍ جَدُّهُ *** وخَذُولِ الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ كَسَحْ{[6151]}
ثم قال : { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } فقدم الجارّ إيذاناً بالاختصاص ، أي : ليخص المؤمنون رَبَّهُم بالتوكل عليه والتفويض له ؛ لعلمهم أنه لا ناصرَ لهم سواهُ . وهو معنى حَسَنٌ ، ذكره الزمخشريُّ .
احتجوا - بهذه الآية - على الإيمانَ لا يحصل إلا بإعانة الله ، والكفر لا يحصل إلا بخذلانه ؛ لأن الآية دالةٌ على أن الأمر كلَّهُ لِلِّهِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.