معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

ثم ذم الظهار فقال :{ الذين يظاهرون منكم من نسائهم } قرأ عاصم : { يظاهرون } فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء . وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر ، وحمزة ، والكسائي : بفتح الياء والهاء ، وتشديد الظاء وألف بعدها . وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف . { ما هن أمهاتهم } أي : اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات . وخفض التاء في { أمهاتهم } على خبر " ما " ومحله نصب كقوله : { ما هذا بشرا }( يوسف- 31 ) المعنى : ليس هن بأمهاتهم ، { إن أمهاتهم } أي ما أمهاتهم ، { إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول } لا يعرف في شرع { وزوراً } كذباً ، { وإن الله لعفو غفور } عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم . وصورة الظهار : أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي ، وكذلك لو قال : أنت علي كبطن أمي أو كرأس أمي أو كبد أمي أو قال : بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي ، أو شبه عضواً منها بعضو آخر من أعضاء أمه فيكون ظهاراً . وعند أبي حنيفة -رضي الله عنه- إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهاراً ، وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهاراً . ولو قال أنت علي كأمي أو كروح أمي ، وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهاراً حتى يريده ، ولو شبهها بجدته فقال : أنت علي كظهر جدتي يكون ظهاراً ، وكذلك لو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي ، أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهاراً -على الأصح من الأقاويل- .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

1

ثم يقرر أصل القضية ، وحقيقة الوضع فيها :

( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم . إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم . وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، وإن الله لعفو غفور ) . .

فهو علاج للقضية من أساسها . إن هذا الظهار قائم على غير أصل . فالزوجة ليست أما حتى تكون محرمة كالأم . فالأم هي التي ولدت . ولا يمكن أن تستحيل الزوجة أما بكلمة تقال . إنها كلمة منكرة ينكرها الواقع . وكلمة مزورة ينكرها الحق . والأمور في الحياة يجب أن تقوم على الحق والواقع ، في وضوح وتحديد ، فلا تختلط ذلك الاختلاط ، ولا تضطرب هذا الاضطراب . . ( وإن الله لعفو غفور )فيما سلف من هذه الأمور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : «يظهرون » ، وقرأ أبي بن كعب بخلاف عنه : «يتظهرون » . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : «يظاهرون » . وقرأ أبي بن كعب أيضاً : «يتظاهرون » . وقرأ عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة : «يُظاهرون » بضم الياء من قولك فاعل ، وهذه مستعملة جداً وقولهم الظهار دليل عليها ، والمراد بهذا كله قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب ، إذ عرفه في ظهور الحيوان ، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ، فرد الله بهذه الآية فعلهم ، وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة ، وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم .

وقرأ جمهور الناس : «أمهاتِهم » بنصب الأمهات ، وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه : «أمهاتُهم » بالرفع وهذا على اللغتين في { ما } لغة الحجاز ولغة تميم ، وقرأ ابن مسعود «ما هنّ بأمهاتهم » بزيادة باء الجر ، وجعل الله تعالى القول بالظهار { منكراً } { وزوراً } ، فهو محرم ، لكنه ، إذا وقع لزم ، هكذا قال فيه أهل العلم ، لكن تحريمه تحريم المكروهات جداً ، وقد رجى الله تعالى بعده بأنه { لعفو غفور } مع الكفارة .