الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

قوله : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } : قد تقدَّم الخلافُ في " يُظاهِرون " في سورةِ الأحزاب وكذا في " اللائي " فأَغْنَى عن إعادتِه هنا وأُبي هنا " يَتَظاهَرُون " وعنه أيضاً " يَتَظَهَّرُوْن " . وفي " الذين " وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأٌ ، وخبرُه قولُه : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } . والثاني : أنَّه منصوبٌ ب " بصير " على مذهبِ سيبويهِ في جوازِ إعمالِ فَعيل ، قاله مكي ، يعني أنَّ سيبويه يُعْمل فعيلاً من أمثلةِ المبالغةِ ، وهو مذهبٌ مَطْعونٌ فيه على سيبويِهِ ؛ لأنه استدلَّ على إعمالِه بقولِ الشاعر :

حتى شآها كَليلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ *** باتَتْ طِراباً وبات الليلَ لم يَنَمِ

ورُدَّ عليه : بأنَّ " مَوْهِناً " ظرفُ زمانٍ ، والظروفُ تعملُ فيها روائحُ الأفعالِ . وللكلامِ في المسألةِ موضعٌ هو أليقُ به مِنْ هنا ولكنَّ المعنى يَأْبى ما قاله مكيٌّ .

وقرأ العامَّةُ " أمَّهاتِهم " بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى كقولِه :

{ مَا هَذَا بَشَراً } [ يوسف : 31 ] وعاصم في روايةٍ بالرفعِ على اللغةِ التميميةِ ، وإنْ كانَتْ هي القياسَ لعدمِ اختصاصِ الحرفِ . وقرأ عبدُ الله " بأمَّهاتهم " بزيادة الباءِ ، وهي تحتمل اللغتين . وقال الزمخشري : " وزيادةُ الباء في لغة مَنْ ينصِبُ " . قلت : هذا هو مذهبُ أبي علي ، يرى أنَّ الباءَ لا تُزاد إلاَّ إذا كانَتْ " ما " عاملةً فلا تُزاد في التميمية ولا في الحجازيةِ إذا مَنَعَ مِنْ عملها مانعٌ نحو : " ما إنْ زيدٌ بقائمٍ " . وهذا مردودٌ بقولِ الفرزدق وهو تميمي :

لَعَمْرُك ما مَعْنٌ بتارِكِ حقِّه *** ولا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ

وبقول الآخر :

لَعَمْرُك ما إنْ أبو مالكٍ *** بواهٍ ولا بضعيفٍ قِواهْ

فزادها مع " ما " الواقع بعدها " إنْ " .

قوله : { مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً } نعتان لمصدر محذوف أي : قولاً منكراً ، وزوراً أي : كذباً وبُهْتاناً قاله مكي وفيه نظرٌ ؛ إذ يصيرُ التقدير : ليقولون قولاً منكراً من القول ، فيصير قولُه " من القول " لا فائدةً فيه . والأَوْلَى أَنْ يُقال : نعتان لمعفولٍ محذوفٍ لفهم المعنى أي : ليقولونَ شيئاً مُنْكراً من القولِ لتفيدَ الصفة غيرَ ما أفاده الموصوفُ .