فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

{ الذين يظاهرون منكم من نسائكم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور ( 2 ) } .

{ يظاهرون } يشبهون ظهر الزوجة وهو محلل بظهر الأم- مثلا- وهو محرم ، يقول الواحد منهم لزوجته : أنت علي كظهر أمي .

{ نسائهم } محللاتهم وزوجاتهم .

{ منكرا } ينكره الشرع ، وينفر منه الطبع .

{ وزورا } كذبا مموها مزوقا .

{ لعفو } لكثير الصفح وعدم العقوبة على الذنب .

{ غفور } عظيم الستر لخطايا المستغفرين مهما كثرت .

كان الظهار معروفا في الجاهلية ، فإذا أراد أحدهم أن يحرم زوجته على نفسه يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، فتصير عليه حراما ، لا يستمتع بها ولا تستمتع به ، بل ولا تعتبر خلية وغير ذات زوج حتى يمكن لغيره أن يتزوجها فتبقى هكذا معلقة لا هي مزوجة ولا مطلقة ؛ فأبطل الله تعالى هذا السنن ، وأكذب من قال به ، إذ كيف تشبه الزوجة بالأم وأين من ولدته ممن لم تلده ؟ ! إن هذا القول كذب مموه ، ويسقطه الشرع ، وتأباه سلامة الطبع ؛ وإن الله المعبود ، تقدست أسماؤه وعظمت نعمه وآلاؤه لكثير الصفح ، واسع الحلم ، يتجاوز عن المعاقبة على الذنب ، وهو جل ثناؤه عظيم الستر لخطايا المستغفرين مهما كثرت .

يقول الألوسي : والآية نزلت في خولة وزوجها أوس ، وذلك أن زوجها أوسا كان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، فدخل عليها يوما فراجعته بشيء فغضب ، فقال : أنت علي كظهر أمي- وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه ، وكان هذا أول ظهار في الإسلام- فندم من ساعته فدعاها فأبت ، وقال : والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فينا ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرت بطني- أي كثر ولدي- جعلني عليه كأمه ، وتركني إلى غير أحد ، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني بها وإياه فحدثني بها ؟ ! فقال عليه الصلاة والسلام : ( والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن ) ، وفي رواية ( ما أراك إلا قد حرمت عليه ) . قالت : ما ذكر طلاقا ! وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت : أشكو إلى الله تعالى فاقتي وشدة حالي ، وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا . وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، اللهم فأنزل على لسان نبيك . وما برحت حتى نزل القرآن فيها ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا خولة أبشري ) قالت : خيرا ؟ فقرأ عليه الصلاة والسلام : { قد سمع الله . . . } الآيات . اه .

ومما قال أصحاب الإعراب : { الذين } مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : مخطئون ؛ أو { ما هن } خبره .