غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

1

ثم إنه سبحانه وبخ العرب أوّلاً بقوله { الذين يُظاهِرُونَ منكم } ثم بين الحكم العام في الآية الثانية ولهذا لم يورد لفظة منكم ونحن نبني تفسير الآية على أبحاث الأول في معنى الظهار ، وهو عبارة عن قول الرجل لامرأته " أنت عليّ كظهر أمي " فاشتقاقه من الظهر . وقال صاحب النظم : ليس الظهر بذلك أولى في هذا المطلوب من سائر الأعضاء التي هي موضع التلذذ ، فهو مأخوذ من ظهر إذا علا وغلب وبه سمي المركوب ظهراً لأن راكبه يعلوه ، وكذلك امرأة الرجل مركبه وظهر له . والدليل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق : نزلت عن امرأتي أي طلقتها . وفي لفظ الظهار إضمار والتقدير : ظهرك عليّ أي علوي وركوبي عليك حرام علي كعلو أمي . ثم لا مناقشة بين العلماء في الصلات فلو قال : أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي صح ظهاره . وكذا لو ترك الصلات كلها وقال : أنت كظهر أمي كما أن قوله " أنت طالق " صريح وإن لم يقل " مني " أما إذا شبهها بغير الظهر فذهب الشافعي إلى أن ذلك العضو إن كان مشعراً بالإكرام كقوله أنت علي كروح أمي أو عين أمي صح ظهاره إن أراد الظهار لا الإكرام وإلا فلا . وإن لم ينو شيئاً ففيه قولان ، وإن لم يكن مشعراً بالكرامة كقوله أنت كرجل أمي أو كيدها أو بطنها ففي الجديد ظهار ، وفي القديم لا ، وقد يرجح هذا البراءة الأصلية . وقال أبو حنيفة : إن شبهها بعضو من الأم يحل له النظر إليه كاليد أو الرأس لم يكن ظهاراً ، وإن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالبطن والفخذ كان ظهاراً .

وفي التشبيه بالمحرمات الأخر من النسب أو الرضاع سوى الأم في الجديد وعليه أبو حنيفة أنه ظهار لعموم قوله { يظاهرون } ومن قصره على الأم احتج بقوله بعده { ما هنّ أمهاتهم } وبأن حرمة الأم أشد .

البحث الثاني في المظاهر وفيه مسائل : الأولى : قال الشافعي : كل من صح طلاقه صح ظهاره وإن كان خصياً أو مجبوباً ، ويتفرع عليه أن ظهار الذمي صحيح . حجة الشافعي عموم قوله تعالى { والذين يظاهرون } وأيضاً تأثير الظهار في التحريم والذمي أهل لذلك بدليل صحة طلاقه . وأيضاً إيجاب الكفارة للزجر عن هذا الفعل الذي هو منكر من القول وزور وهذا المعنى قائم في حق الذمي . وقال أبو حنيفة ومالك : لا يصح ظهاره . واحتج أبو بكر الرازي لهما بأن قوله { والذين يظاهرون منكم } خطاب للمؤمنين . وأيضاً من لوازم الظهار تصحيح وجوب الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع لأنه مع الكفر باطل ، وبعد الإسلام غير لازم لأنه يجب ما قبله . وأجيب عن الأول بأن قوله { منكم } خطاب للحاضرين فلم قلتم : إنه يختص بالمؤمنين ؟ على أن التخصيص بالذكر عندكم لا يدل على نفي ما عداه . وأيضاً العام عندكم إذا أورد بعد الخاص كان ناسخاً للخاص . وعن الثاني أن من لوازم الظهار أيضا أنه حين عجز عن الصوم اكتفي منه بالإطعام فهو هاهنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفي فيه بالإطعام ، وإن لم يتحقق العجز زال السؤال . وأيضا الصوم بدل عن الإعتاق والبدل أضعف عن المبدل . ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره بالاتفاق فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب منع الظهار ففوات الأضعف كيف يمنع ؟ وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي في الجواب : نقول للذمي إن أردت الخلاص من التحريم فأسلم وصم قوله الإسلام يجب ما قبله . قلنا : إنه عام والتكفير خاص والخاص مقدّم على العام . الثانية قال مالك وأبو حنيفة والشافعي : لا يصح ظهار المرأة من زوجها وهو ظاهر ولو قال شهراً فقد قال أبو حنيفة والشافعي : بطل ظهاره بمضي المدة وكان قبل ذلك صحيحاً لما روي أن سلمة بن صخر ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ثم وطئها في المدة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحرير رقبة . وأما بطلان ظهاره بعد المدة فلمقتضى اللفظ كما في الأيمان . فإذا مضت المدة حل الوطء لارتفاع الظهار وبقيت الكفارة في ذمته . وقال مالك وابن أبى ليلى : هو مظاهر أبداً .

البحث الثالث في المظاهر عنها . ويصح الظهار عن الصغيرة والمجنونة والأمة المتزوّجة والذمية والرتقاء والحائض والنفساء ، ولا يصح عن الأجنبية سواء أطلق أو علق بالنكاح فقال " إذا نكحتك فأنت عليّ كظهر أمي " . ويصح عن الرجعية ولا يصح عن الأمة وأم الولد عند أبي حنيفة والشافعي لأن قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } يتناول الحرائر دون الإماء كما في قوله { أو نسائهن } [ النور :31 ] بدليل أنه عطف عليه قوله { أو ما ملكت أيمانهن } [ النور :31 ] وقال مالك والأوزاعي : يصح لأن قوله { من نسائهم } يشمل ملك اليمين لغة . وفي الآية سؤال وهو أن المظاهر شبّه الزوجة بالأم ولم يقل إنها أم فكيف أنكر الله عليه بقوله { ما هن أمهاتهم } وحكم بأنه منكر وزور ؟ والجواب أن قوله " أنت عليّ كظهر أمي " إن كان إخباراً فهو كذب لأن الزوجة حلال والأم حرام وتشبيه المحللة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب ، وإن كان إنشاء كان معناه أن الشرع جعله سبباً في حصول الحرمة ، ولما لم يرد الشرع بهذا السبب كان الحكم به كذباً وزوراً ولهذا أوجب الله سبحانه الكفارة على صاحب القول بعد العود . سؤال آخر قوله تعالى { إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } ظاهره يقتضي أنه لا أم إلا الوالدة لكنه قال في موضع آخر { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } [ النساء :23 ] وقال { وأزواجه أمهاتهم } [ الأحزاب :6 ] أجاب في الكشاف بأنه يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغيرهن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن بسبب الإرضاع ، أو لكونها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أبو الأمة . وأما الزوجات فلسن من أحد القبيلين وكان قول المظاهر منكراً لمخالفة الحقيقة وزوراً لعدم موافقة الشرع .

/خ22