معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

قوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةً } أي : شرك ، قال الربيع : حتى لا يفتن مؤمن عن دينه .

قوله تعالى : { ويكون الدين كله لله } ، أي : ويكون الدين خالصاً لله لا شرك فيه .

قوله تعالى : { فإن انتهوا } ، عن الكفر .

قوله تعالى : { فإن الله بما يعملون بصير } ، قرأ يعقوب : ( تعملون ) بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

30

( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير . وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم ، نعم المولى ونعم النصير ) . .

وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في كل زمان ، لا في ذلك الزمان . . ومع أن النصوص المتعلقة بالجهاد في هذه السورة ، وبقوانين الحرب والسلام ، ليست هي النصوص النهائية ، فقد نزلت النصوص الأخيرة في هذا الباب في سورة براءة التي نزلت في السنة التاسعة ؛ ومع أن الإسلام - كما قلنا في تقديم السورة - حركة إيجابية تواجه الواقع البشري بوسائل مكافئة ، وأنه حركة ذات مراحل ، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية . .

ومع هذا فإن قوله تعالى :

( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) . .

يقرر حكماً دائماً للحركة الإسلامية في مواجهة الواقع الجاهلي الدائم . .

ولقد جاء الإسلام - كما سبق في التعريف بالسورة - ليكون إعلاناً عاماً لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من العبودية للعباد - ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد - وذلك بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعالمين . . وأن معنى هذا الإعلان : الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ، الحكم فيه للبشر في صورة من الصور . . . الخ .

ولا بد لتحقيق هذا الهدف الضخم من أمرين أساسيين :

أولهما : دفع الأذى والفتنة عمن يعتنقون هذا الدين ، ويعلنون تحررهم من حاكمية الإنسان ، ويرجعون بعبوديتهم لله وحده ، ويخرجون من العبودية للعبيد في جميع الصور والأشكال . . وهذا لا يتم إلا بوجود عصبة مؤمنة ذات تجمع حركي تحت قيادة تؤمن بهذا الإعلان العام ، وتنفذه في عالم الواقع ، وتجاهد كل طاغوت يعتدي بالأذى والفتنة على معتنقي هذا الدين ، أو يصد بالقوة وبوسائل الضغط والقهر والتوجيه من يريدون اعتناقه . .

وثانيهما : تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية البشر للبشر - في صورة من الصور - وذلك لضمان الهدف الأول ، ولإعلان ألوهية الله وحدها في الأرض كلها ، بحيث لا تكون هناك دينونةإلا لله وحده - فالدين هنا بمعنى الدينونة لسلطان الله - وليس هو مجرد الاعتقاد . .

ولا بد هنا من بيان الشبهة التي قد تحيك في الصدور من هذا القول ، على حين أن الله سبحانه يقول : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) . .

ومع أن فيما سبق تقريره عن طبيعة الجهاد في الإسلام - وبخاصة فيما اقتطفناه من كتاب : " الجهاد في سبيل الله " للأستاذ أبي الأعلى المودودي ، ما يكفي للبيان الواضح . . إلا أننا نزيد الأمر إيضاحاً ، وذلك لكثرة ما لبس الملبسون ومكر الماكرون من أعداء هذا الدين !

إن الذي يعنيه هذا النص : ( ويكون الدين كله لله ) . . هو إزالة الحواجز المادية ، المتمثلة في سلطان الطواغيت ، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد ، فلا يكون هناك - حينئذ - سلطان في الأرض لغير الله ، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله . . فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط . على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين ، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى ، ويفتن بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان إلا سلطان الله . . إن الناس أحرار في اختيار عقيدتهم ، على أن يعتنقوا هذه العقيدة أفراداً ، فلا يكونون سلطة قاهرة يدين لها العباد . فالعباد لا يدينون إلا لسلطان رب العباد .

ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله ، ولن يتحرر " الإنسان " في " الأرض " ، إلا حين يكون الدين كله لله ، فلا تكون هنالك دينونة لسلطان سواه .

ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة :

( حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) . .

فمن قبل هذا المبدأ وأعلن استسلامه له ، قبل منه المسلمون إعلانه هذا واستسلامه ، ولم يفتشوا عن نيته وما يخفي صدره ، وتركوا هذا لله :

( فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (39)

{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } لا يوجد فيهم شرك . { ويكون الدين كله لله } وتضمحل عنهم الأديان الباطلة . { فإن انتهوا } عن الكفر . { فإن الله بما يعملون بصير } فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم . وعن يعقوب " تعملون " بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير ، فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب .