معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

قوله تعالى : { وقال الملأ من قوم فرعون } له .

قوله تعالى : { أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } ، وأرادوا بالإفساد في الأرض دعاءهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته .

قوله تعالى : { ويذرك } ، أي : وليذرك .

قوله تعالى : { وآلهتك } ، فلا يعبدك ولا يعبدها . قال ابن عباس : كان لفرعون بقرة يعبدها ، وكان إذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها ، فلذلك أخرج السامري لهم عجلاً ، وقال الحسن : كان قد علق على عنقه صليباً يعبده ، وقال السدي : كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناماً وأمرهم بعبادتها . وقال لقومه : هذه آلهتكم ، أراد ربها وربكم ، فذلك قوله { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] ، وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، والشعبي ، والضحاك : ويذرك وإلهتك ، بكسر الألف ، أي : عبادتك فلا يعبدك ، لأن فرعون كان يُعبد ولا يَعبد ، وقيل : أراد بالآلهة الشمس ، وكانوا يعبدونها . قال الشاعر :

تروحنا من اللعباء قصراً *** وأعجلنا الإلاهة أن تؤبا

قوله تعالى : { قال } فرعون .

قوله تعالى : { سنقتل أبناءهم } ، قرأ أهل الحجاز : سنقتل بالتخفيف من القتل ، وقرأ آخرون بالتشديد ، من التقتيل على التكثير .

قوله تعالى : { ونستحيي نساءهم } نتركهن أحياء .

قوله تعالى : { وإنا فوقهم قاهرون } ، غالبون قال ابن عباس : كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل له : إنه يولد مولود يذهب بملكك ، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة ، وكان من أمره ما كان ، فقال فرعون : أعيدوا عليهم القتل ، فأعادوا عليهم القتل ، فشكت ذلك بنو إسرائيل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

103

ثم نعود إلى سياق القصة القرآني . . حيث يرفع الستار عن مشهد رابع جديد . . إنه مشهد التآمر والتناجي بالإثم والتحريض . بعد الهزيمة والخذلان في معركة الإيمان والطغيان . مشهد الملأ من قوم فرعون يكبر عليهم أن يذهب موسى ناجياً والذين آمنوا معه - وما آمن له إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم . كما جاء في موضع آخر من القرآن - فإذا الملأ يتناجون بالشر والإثم ، وهم يهيجون فرعون على موسى ومن معه ؛ ويخوفونه عاقبة التهاون في أمرهم ؛ من ضياع الهيبة والسلطان ؛ باستشراء العقيدة الجديدة ، في ربوبية الله للعالمين . فإذا هو هائج مائج ، مهدد متوعد ، مستعز بالقوة الغاشمة التي بين يديه ، وبالسلطان المادي الذي يرتكن إليه !

( وقال الملأ من قوم فرعون : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ؟ قال : سنقتل أبناءهم ، ونستحيي نساءهم ، وإنا فوقهم قاهرون ) . .

إن فرعون لم يكن يدعي الألوهية بمعنى أنه هو خالق هذا الكون ومدبره ؛ أو أن له سلطاناً في عالم الأسباب الكونية . إنما كان يدعي الألوهية على شعبه المستذل ! بمعنى أنه هو حاكم هذا الشعب بشريعته وقانونه ؛ وأنه بإرادته وأمره تمضي الشئون وتقضى الأمور . وهذا ما يدعيه كل حاكم يحكم بشريعته وقانونه ، وتمضي الشؤون وتقضى الأمور بإرادته وأمره - وهذه هي الربوبية بمعناها اللغوي والواقعي - كذلك لم يكن الناس في مصر يعبدون فرعون بمعنى تقديم الشعائر التعبدية له - فقد كانت لهم آلهتهم وكان لفرعون آلهته التي يعبدها كذلك ، كما هو ظاهر من قول الملأ له : ( ويذرك وآلهتك ) وكما يثبت المعروف من تاريخ مصر الفرعونية . إنما هم كانوا يعبدونه بمعنى أنهم خاضعون لما يريده بهم ، لا يعصون له أمراً ، ولا ينقضون له شرعاً . . وهذا هو المعنى اللغوي والواقعي والاصطلاحي للعبادة . . فأيما ناس تلقوا التشريع من بشر وأطاعوه فقد عبدوه ، وذلك هو تفسير رسول الله [ ص ] لقوله تعالى عن اليهود والنصارى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله . . . الآية عندما سمعها منه عدي بن حاتم - وكان نصرانياً جاء ليسلم - فقال : يا رسول الله ماعبدوهم . فقال له رسول الله [ ص ] : " بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ؛ فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " . . . [ أخرجه الترمذي ] .

أما قول فرعون لقومه : ( ما علمت لكم من إله غيري ) . . فيفسره قوله الذي حكاه القرآن عنه : أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ، أفلا تبصرون ؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين . ولا يكاد يبين ؟ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ؟ . . وظاهر أنه كان يوازن بين ما هو فيه من ملك ومن أسورة الذهب التي يحلى بها الملوك ، وبين ما فيه موسى من تجرد من السلطان والزينة ! . وما قصد بقوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) إلا أنه هو الحاكم المسيطر الذي يسيرهم كما يشاء ؛ والذي يتبعون كلمته بلا معارض ! والحاكمية على هذا النحو ألوهية كما يفيد المدلول اللغوي ! وهي في الواقع ألوهية . فالإله هو الذي يشرع للناس وينفذ حكمه فيهم ! سواء قالها أم لم يقلها ! وعلى ضوء هذا البيان نملك أن نفهم مدلول قول ملأ فرعون :

( أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ، ويذرك وآلهتك ؟ ) . .

فالإفساد في الأرض - من وجهة نظرهم - هو الدعوة إلى ربوبية الله وحده ؛ حيث يترتب عليها تلقائياً بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله . إذ أن هذا النظام قائم على أساس حاكمية فرعون بأمره - أو بتعبير مرادف على أساس ربوبية فرعون لقومه - وإذن فهو - بزعمهم - الإفساد في الأرض ، بقلب نظام الحكم ، وتغيير الأوضاع القائمة على ربوبية البشر للبشر ، وإنشاء وضع آخر مخالف تماماً لهذه الأوضاع ، الربوبية فيه لله لا للبشر . ومن ثم قرنوا الإفساد في الأرض بترك موسى وقومه لفرعون ولآلهته التي يعبدها هو وقومه . .

ولقد كان فرعون إنما يستمد هيبته وسلطانه من الديانة التي تعبد فيها هذه الآلهة . . بزعم أنه الابن الحبيب لهذه الآلهة ! وهي بنوة ليست حسية ! فلقد كان الناس يعرفون جيداً أن الفرعون مولود من أب وأم بشريين . إنما كانت بنوة رمزية يستمد منها سلطانه وحاكميته . فإذا عبد موسى وقومه رب العالمين . وتركوا هذه الآلهة التي يعبدها المصريون ، فمعنى هذا هو تحطيم الأساس الذي يستمد منه فرعون سلطانه الروحي على شعبه المستخف ؛ الذي إنما يطيعه لأنه هو كذلك فاسق عن دين الله الصحيح . . وذلك كما يقول الله سبحانه : ( فاستخف قومه فأطاعوه . . إنهم كانوا قوماً فاسقين ) فهذا هو التفسير الصحيح للتاريخ . . وما كان فرعون بقادر على أن يستخف قومه فيطيعوه ، لو لم يكونوا فاسقين عن دين الله . . فالمؤمن بالله لا يستخفه الطاغوت ، ولا يمكن أن يطيع له امراً ، وهو يعلم أن هذا الأمر ليس من شرع الله . . ومن هنا كان يجيء التهديد لنظام حكم فرعون كله بدعوة موسى - عليه السلام - إلى ( رب العالمين )وإيمان السحرة بهذا الدين ، وإيمان طائفة من قوم موسى كذلك وعبادتهم لرب العالمين . . ومن هنا يجيء التهديد لكل وضع يقوم على ربوبية البشر للبشر من الدعوة إلى ربوبية الله وحده . . أو من شهادة أن لا إله إلا الله . . حين تؤخذ بمدلولها الجدي الذي كان الناس يدخلون به في الإسلام . لا بمدلولها الباهت الهزيل الذي صار لها في هذه الأيام !

ومن هنا كذلك استثارت هذه الكلمات فرعون ، وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله فانطلق يعلن عزمه الوحشي البشع :

( قال : سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) :

وكان بنو إسرائيل قد عانوا من قبل - في إبان مولد موسى - مثل هذا التنكيل الوحشي من فرعون وملئه كما يقول الله تعالى في سورة القصص : ( إن فرعون علا في الأرض ، وجعل أهلها شيعاً ، يستضعف طائفة منهم ، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) . .

إنه الطغيان في كل مكان وفي كل زمان . لا فرق بين وسائله اليوم ووسائله قبل عشرات القرون والأعوام . . !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه ، وما أظهروه{[12022]} لموسى ، عليه السلام ، وقومه من الأذى والبغضة : { وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } أي : لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ } أي : أتدعهم ليفسدوا في الأرض ، أي : يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ، يالله للعجب ! صار{[12023]} هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ؛ ولهذا قالوا : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } قال بعضهم : " الواو " هنا حالية ، أي : أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك ؟

وقرأ ذلك أُبيّ بن كعب : " وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك " ، حكاه ابن جرير .

وقال آخرون : هي عاطفة ، أي : لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم{[12024]} عليه وعلى تركه آلهتك .

وقرأ بعضهم : " إلاهتك " أي : عبادتك ، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .

وعلى القراءة الأولى قال بعضهم : كان لفرعون إله يعبده . قال الحسن البصري : كان لفرعون إله يعبده في السر . وقال في رواية أخرى : كان له{[12025]} جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها .

وقال السدي في قوله تعالى : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } وآلهته ، فيما زعم ابن عباس ، كانت البقر ، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا .

فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } وهذا أمر ثان بهذا الصنيع ، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى ، عليه السلام ، حذرا من وجوده ، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون . وهكذا عومل في صنيعه [ هذا ]{[12026]} أيضا ، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد : نصرهم الله عليه وأذله ، وأرغم أنفه ، وأغرقه وجنوده .


[12022]:في ك، م، أ: "أضمروه"، وفي د: "أضمروا".
[12023]:في أ: "صاروا".
[12024]:في أ: "أقررتم".
[12025]:في ك، م، أ: "لفرعون".
[12026]:زيادة من م، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

جملة : { قال الملأ } عطف على جملة : { قال فرعون آمنتم به } [ الأعراف : 123 ] أو على جملة { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم } [ الأعراف : 109 ] . وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته ، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون ، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة ، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون ، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامَه . وأنه لم يَحرْ جَوَاباً . راموا إيقاظ ذهنه ، وإسعارَ حميته ، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون ، ولعلهم رأوا منه تأثراً بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده ، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة : { قال موسى لقومه استعينوا بالله } .

والاستفهام في قوله : { أتذر موسى } مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم ، وموسى مفعول { تذر } أي تتركه متصرفاً ولا تأخذ على يده .

والكلام على فعل { تذر } تقدم في قوله : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً } في الأنعام ( 70 ) .

وقوم موسى هم من آمن به ، وأولئك هم بنوا إسرائيل كلهم ومَن آمن من القبط .

واللام في قوله : { ليفسدوا } لام التعليل وهو مبالغة في الإنكار إذ جعلوا ترك موسى وقومه معللاً بالفساد ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ، وليست العاقبة معنى من معاني اللام حقيقة ولكنها مجاز : شُبه الحاصل عقب الفعل لا محالة بالغرض الذي يفعل الفعل لتحصيله ، واستعير لذلك المعنى حرفُ اللام عوَضاً عن فاء التعقيب كما في قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] .

والإفساد عندهم هو إبطال أصول ديانتهم وما ينشأ عن ذلك من تفريق الجماعة وحث بني إسرائيل على الحرية ، ومغادرة أرض الاستعباد .

و { الأرض } مملكة فرعون وهي قطر مصر .

وقوله : { ويذَرَك } عطف على { ليفسدوا } فهو داخلي التعليل المجازي ، لأنّ هذا حاصل في بقائهم دون شك ، ومعنى تركهم فرعون ، تركهم تأليهه وتعظيمه ، ومعنى ترك آلهته نبذُهم عبادتَها ونهيُهم الناس عن عبادتها .

والآلهة جمع إله ، ووزنه أفعلة ، وكان القبط مشركين يعبدون آلهة متنوعة من الكواكب والعناصر وصوروا لها صوراً عديدة مختلفة باختلاف العصور والأقطار ، أشهرها ( فتاح ) وهو أعظمها عندهم وكان يُعبد بمدينة ( مَنْفيس ) ، ومنها ( رع ) وهو الشمس وتتفرع عنه آلهة باعتبار أوقات شعاع الشمس ، ومنها ( ازيريس ) و ( إزيس ) و ( هوروس ) وهذا عندهم ثالوث مجموع من أب وأم وابن ، ومنها ( توت ) وهو القمر وكان عندهم رب الحكمة ، ومنها ( أمُون رع ) فهذه الأصنام المشهورة عندهم وهي أصل إضلال عقولهم .

وكانت لهم أصنام فرعية صغرى عديدة مثل العجل ( إيبيس ) ومثل الجعران وهو الجُعل .

وكان أعظم هذه الأصنام هو الذي ينتسب فرعونُ إلى بُنوتهِ وخدمته ، وكان فرعون معدوداً ابنَ الآلهة وقد حلت فيه الإلهية على نحو عقيدة الحلول ، ففرعون هو المنفذ للدين ، وكان يعد إله مصر ، وكانت طاعته طاعة للآلهة كما حكى الله تعالى عنه : { فقال أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] { ما علمْتُ لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] . وتوعُد فرعون موسى وقومه بالاستئصال بقتل الأبناء والمراد الرجال بقرينة مقابلته بالنساء ، والضمير المضاف إليه عائد على موسى وقومه ، فالإضافة على معنى ( من ) التبعيضية .

وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو جعفر : { سنقتل } بفتح النون وسكون القاف وضم التاء وقرأه البقية بضم النون وفتح القاف وتشديد التاء للمبالغة في القتل مبالغة كثرة واستيعاب .

والاستحياء : مبالغة في الإحياء ، فالسين والتاء فيه للمبالغة ، وإخباره ملأه باستحياء النساء تتميم لا أثر له في إجابة مقترح ملئه ، لأنهم اقترحوا عليه أن لا يُبقي موسى وقومه فأجابهم بما عزم عليه في هذا الشأن ، والغرض من استبقاء النساء أن يتخذوهن سراري وخدماً .

وجملة : { وإنّا فوقهم قاهرون } اعتذار من فرعون للملإ من قومه عن إبطائه باستئصال موسى وقومه ، أي : هم لا يقدرون أن يفسدوا في البلاد ولا أن يخرجوا عن طاعتي والقاهر : الغالب بإذلال .

و { فوقهم } مستعمل مجازاً في التمكن من الشيء وكلمة { فوقهم } مستعارة لاستطاعة قهرهم لأن الاعتلاء على الشيء أقوى أحوال التمكن من قهره ، فهي تمثيلية .