النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

قوله عز وجل : { وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ . . . } الآية : { الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ } فيهم ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه أشرافهم .

والثاني : رؤساؤهم .

والثالث : أنهم الرهط والنفر الذين آمنوا معهم .

والفرق بين الرهط والنفر من وجهين :

أحدهما : كثرة الرهط وقلة النفر .

والثاني : قوة الرهط وضعف النفر ، وفي تسميتهم بالملأ وجهان :

أحدهما : أنهم مليئون بما يراد منهم .

والثاني : لأنهم تملأ النفوس هيبتهم .

وفيه وجه ثالث : لأنهم يملأون صدور المجالس .

فإن قيل : فما وجه إقدامهم على الإنكار على فرعون مع عبادتهم له ؟ قيل : لأنهم رأوا منه خلاف عادته وعادة الملوك في السطوة بمن أظهر العناد وخالف ، وكان ذلك من لطف الله بموسى .

وفي قوله : { لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } وجهان :

أحدهما : ليفسدوا فيها بعبادة غيرك والدعاء إلى خلاف دينك .

والثاني : ليفسدوا فيها بالغلبة عليها وأخذ قومه منها .

ثم قالوا : { وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ } فإن قيل : فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } [ النازعات : 24 ] . قيل الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه كان يعبد الأصنام وكان قومه يعبدونه ، قاله الحسن .

والثاني : أنه كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى ، وكان معبوداً في قومه ، قاله السدي .

والثالث : أنها كانت أصناماً يعبدها قومه تقرباً إليه ، قاله الزجاج .

وقرأ ابن عباس { وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ } أي وعبادتك .

قال الحسن : وكان فرعون يَعبُد ويُعبَد . وعلى هذه القراءة يسقط السؤال . وذكر ابن قتيبة في هذه القراءة تأويلاً ثانياً : أن الإلاهة الشمس ، والعرب تسمي الشمس الإلاهة واستشهد بقول الأعشى :

وَلَمْ أَذْكُرِ الرُّعْبَ حَتَّى انْتَقَلْتُ *** قُبَيْلَ الإِلاَهَةِ مِنْهَا قرِيباً

يعني الشمس ، فيكون تأويل الآية : ويذرك والشمس حتى تعبد فعلى هذا يكون السؤال متوجهاً عنه ما تقدم .

{ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ } وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لأنه علم أنه لا يقدر على قتل موسى إما لقوته وإما تصوره أنه مصروف عن قتله ، فعدل إلى قتل الأبناء ليستأصل قوم موسى من بني إسرائيل فيضعف عن فرعون { وَنَسْتَحِيي نِسَاءَهُمُ }{[1120]} فيه قولان :

أحدهما : أن نفتش أرحامهن فننظر ما فيهن من الولد ، مأخوذ من الحياء وهو اسم من أسماء الفرج ، حكاه ابن بحر .

والثاني : الأظهر أن معناه : نستبقيهن أحياء لضعفهن عن المنازعة وعجزهن عن المحاربة .


[1120]:أراد فرعون أن يطمئن قومه فكأنه يقول لهم لا تخافوا جانب إسرائيل فسوف لا نبقي لهم رجالا.