إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

{ وَقَالَ الملا مِن قَوْمِ فِرْعَونَ } مخاطِبين له بعد ما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام { أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ في الأرض } أي في أرض مصرَ بتغيير الناسِ عليك وصرفِهم عن متابعتك { وَيَذَرَكَ } عطفٌ على يُفسدوا ، أو جوابُ الاستفهام بالواو كما في قول الحطيئة : [ الوافر ]

ألم أكُ جارَكم ويكونَ بيني *** وبينكم المودةُ والإخاءُ{[293]}

أي أيكونُ منك تركُ موسى ويكونَ تركُه إياك ؟ وقرىء بالرفع عطفاً على أنذرُ أو استئنافاً أو حالاً ، وقرىء بالسكون كأنه قيل : يفسدوا ويذرْك كقوله تعالى : { فَأَصدَّقَ وَأَكُن } [ المنافقون ، الآية 10 ] { وَءالِهَتَكَ } ومعبوداتِك ، قيل : إنه كان يعبد الكواكبَ وقيل : صنع لقومه أصناماً وأمرهم بأن يعبُدوها تقرباً إليه ولذلك قال : أنا ربكم الأعلى ، وقرىء وإلهتك أي عبادتَك { قَالَ } مجيباً لهم { سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ } كما كنا نفعل بهم ذلك من قبلُ ليُعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبةِ ولا يُتَوَهّم أنه المولودُ الذي حكم المنجمون والكهنةُ بذهاب مُلكِنا على يديه وقرىء سنقتل بالتخفيف { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون } كما كنا لم يتغير حالُنا أصلاً وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك .


[293]:البيت للحطيئة في ديوانه ص 54؛ والدرر 4/88، والرد على النحاة ص 128؛ وشرح أبيات سيبويه 2/73؛ وشرح شذور الذهب ص 403؛ وشرح شواهد المغني ص 950؛ والكتاب 3/43؛ والمقاصد النحوية 4/417؛ وشرح ابن عقيل ص 574.