فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ} (127)

{ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر } الاستفهام منهم للإنكار عليه أي أتترك { موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } أي في مصر بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل { ويذرك } بباء الغيبة ونصب الراء هذه قراءة العامة ، وفيها وجهان أظهرهما أنه على العطف على ليفسدوا ، والثاني أنه منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب في جوابه بعد الفاء .

والمعنى كيف يكون الجمع بين ترك موسى وقومه مفسدين ، وبين تركهم إياك وعادة آلهتك ، أي لا يمكن وقع ذلك وقرئ برفع الراء وفيها ثلاثة أوجه أظهرها أنه نسق على أتذر أي أتطلق له ذلك ، والثاني أنه استئناف أخبار ذلك ، الثالث أنه حال ولا بد من إضمار مبتدأ أي وهو يذرك ، وقرئ بالجزم إما على التخفيف بالسكون لنقل الضمة أو على ما قيل في { وأكن من الصالحين } في توجيه الجزم ، وقرئ بالنون والرفع والمعنى أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم سيذرونك .

{ وآلهتك } اختلف المفسرون في معناها لكون فرعون كان يدعي الربوبية كما في قوله { ما علمت لكم من إله غيري } وقوله { أنا ربكم الأعلى } فقيل ومعنى آلهتك طاعتك وقيل معناه عبادتك ، ويؤيده قراءة علي وابن عباس والضحاك : وإلاهتك وفي حرف أبي ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك وقيل إنه كان يعبد بقرة ، وقيل كان يعبد النجوم وقيل كان له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه ، ولهذا قال { أنا ربكم الأعلى } قاله الزجاج ، وقيل كان يعبد الشمس والكواكب .

والأقرب أن يقال : إن فرعون كان دهريا منكرا لوجود الصانع فكان يقول مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب فاتخذ أصناما على صورتها وكان يعبدها ويأمر بعبادتها ، وكان يقول في نفسه إنه هو المطاع والمخدوم في الأرض فلهذا قال أنا ربكم الأعلى .

قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر : كان ملك فرعون أربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين سنة لم يرو مكروها قط ولو كان حصل له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادعى الربوبية .

{ قال } فرعون مجيبا لهم ومثبتا لقلوبهم على الكفر { سنقتل } قرئ بالتشديد والتخفيف { أبناءهم ونستحي نساءهم } أي نتركهن في الحياة ولم يقل سنقتل موسى لأنه يعلم أنه لا يقدر عليه ، قيل كان ترك القتل في بني إسرائيل بعد ما ولد موسى فلما جاء موسى بالرسالة وكان من أمره ما كان أعاد فيهم القتل .

{ وإنا فوقهم قاهرون } أي مستعلون عليهم بالقهر والغلبة وهم تحت قهرنا وبين أيدينا ، ما شئنا أن نفعله بهم فعلناه ففعلوا بهم ذلك ، فشكا بنو اسرئيل .