قوله تعالى : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } ، قرأ نافع و ابن عامر و عاصم بفتح السين ، أي : قطعاً ، وهي جمع كسفة ، وهي : القطعة والجانب ، مثل : كسرة وكسر . وقرأ الآخرون بسكون السين على التوحيد ، وجمعه أكساف وكسوف ، أي : تسقطها طبقاً واحداً ، وقيل : أراد جانبها علينا . وقيل : معناه أيضاً القطع ، وهي جمع التكسير مثل سدرة وسدر في الشعراء وسبأ كسفاً بالفتح ، حفص ، وفي الروم ساكنة أبو جعفر ، و ابن عامر . { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } ، قال ابن عباس : كفيلاً ، أي : يكفلون بما تقول . وقال الضحاك : ضامناً . وقال مجاهد : هو جمع القبيلة ، أي : بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة . وقال قتادة : عياناً أي : تراهم القابلة أي : معاينة . وقال الفراء : هو من قول العرب لقيت فلاناً قبيلاً ، وقبيلاً أي : معاينة .
وقوله تعالى { أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ } أي : أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي ، وتدلي أطرافها ، فعجل ذلك في الدنيا ، وأسقطها كسفًا [ أي : قطعًا ، كقولهم : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية [ الأنفال : 32 ] ، وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا : { أَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا ]{[17842]} مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 187 ] . فعاقبهم الرب بعذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم . وأما نبيّ الرحمة ، ونبيّ التوبة المبعوث رحمة للعالمين ، فسأل إنظارهم وتأجيلهم ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا . وكذلك وقع ، فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه{[17843]} حتى " عبد الله بن أبي أمية " الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قال ، أسلم إسلامًا تامًا ، وأناب إلى الله عز وجل .
وقوله تعالى : { أو تسقط السماء } الآية ، قرأ الجمهور «أو تُسقط » بضم التاء ، «السماءَ » نصب ، وقرأ مجاهد «أو تَسقط السماءُ » برفع «السماءُ » وإسناد الفعل إليها ، وقوله { كما زعمت } إشارة إلى ما تلي عليهم قبل ذلك في قوله عز وجل { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء }{[7707]} [ سبأ : 9 ] ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «كسْفاً » بسكون السين إلا في الروم{[7708]} ، فإنهم حركوها ، ومعناه قطعاً واحداً ، قال مجاهد : السماء جميعاً وتقول العرب : كسفت الثوب ونحوه قطعته ، ف «الكسَف » بفتح السين المصدر ، والكسف الشيء المقطوع ، قال الزجاج : المعنى أو تسقط السماء علينا قطعاً ، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته .
قال القاضي أبو محمد : وليس بمعروف في دواوين اللغة كسف بمعنى غطى ، وإنما هو بمعنى قطع ، وكأن كسوف الشمس والقمر قطع منهما ، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر{[7709]} «كسَفاً » بفتح السين أي قطعاً جمع كسفه ، وقوله { قبيلاً } قيل معناه مقابلة وعياناً ، وقيل معناه ضامناً وزعيماً بتصديقك ، ومنه القبالة وهي الضمان والقبيل ، والمتقبل الضامن ، وقيل معناه نوعاً وجنساً لا نظير له عندنا ، وقرأ الأعرج «قبلاً » وقيل بمعنى المقابلة .
قولهم : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } انتقال من تحديه بخوارق فيها منافع لهم إلى تحديه بخوارق فيها مضرتهم ، يريدون بذلك التوسيع عليه ، أي فليأتهم بآية على ذلك ولو في مضرتهم . وهذا حكاية لقولهم كما قالوا . ولعلهم أرادوا به الإغراق في التعجيب من ذلك فجمعوا بين جعل الإسقاط لنفس السماء . وعززوا تعجيبهم بالجملة المعترضة وهي { كما زعمت } إنباء بأن ذلك لا يصدق به أحد . وعنوا به قوله تعالى : { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } [ سبأ : 9 ] وبقوله : { وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم } [ الطور : 44 ] ، إذ هو تهديد لهم بأشراط الساعة وإشرافهم على الحساب . وجعلوا ( من ) في قوله تعالى : { كسفاً من السماء } [ الطور : 44 ] تبعيضية ، أي قطعة من الأجرام السماوية ، فلذلك أبوا تعدية فعل { تسقط } إلى ذات السماء . واعلم أن هذا يقتضي أن تكون هاتان الآيتان أو إحداها نزلت قبل سورة الإسراء وليس ذلك بمستبعد .
و « الكسف » بكسر الكاف وفتح السين جمع كسْفة ، وهي القطعة من الشيء مثل سِدرة وسدر . وكذلك قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر . وقرأه الباقون بسكون السين بمعنى المفعول ، أي المكسوف بمعنى المقطوع .
والزعم : القول المستبعد أو المحال .
والقبيل : الجماعة من جنس واحد . وهو منصوب على الحال من الملائكة ، أي هم قبيل خاص غير معروف ، كأنهم قالوا : أو تأتي بفريق من جنس الملائكة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
... سألوا أن يُسقط عليهم من السماء قِطَعا... عن مجاهد، قوله "كِسْفا "قال: السماء جميعا...
عن قتادة "أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفا" قال: أي قطعا...
القول في تأويل قوله: "أوْ تَأْتِيَ باللّهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً": يقول تعالى ذكره عن قيل المشركين لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم: أو تأتي بالله يا محمد والملائكة قبيلاً.
واختلف أهل التأويل في معنى القبيل في هذا الموضع؛
فقال بعضهم: معناه: حتى يأتي الله والملائكة كلّ قبيلة منا قبيلة قبيلة، فيعاينونهم...
وقال آخرون: معنى ذلك: أوْ تأتي بالله والملائكة عيانا نقابلهم مقابلة، فنعاينهم معاينة...
وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب... أنه بمعنى المعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبيل فلان، بمعنى قبالته...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... سؤالهم إياه كله سؤال معاندة، لا سؤال استرشاد واستهداء، لأنه لو كانوا يسألون ما يسألون سؤال استرشاد واستهداء لكانوا لا يسألون إسقاط السماء عليهم؛ إذ لا منفعة لهم في ذلك... يذكر سفه القوم وتعنتهم وسوء معاملتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والمعنى: أطبق علينا السماء كسفا أي طبقا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كَمَا زَعَمْتَ} يعنون قول الله تعالى {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ السماء} [سبأ: 9] {قَبِيلاً} والمعنى: أو تأتي بالله قبيلاً، وبالملائكة قبيلاً أو مقابلاً، كالعشير بمعنى المعاشر...
الأول: قال عكرمة كما زعمت يا محمد أنك نبي فأسقط السماء علينا.
والثاني: قال آخرون كما زعمت أن ربك إن شاء فعل.
الثالث: يمكن أن يكون المراد ما ذكره الله تعالى في هذه السورة في قوله: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا} فقيل اجعل السماء قطعا متفرقة كالحاصب وأسقطها علينا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أو تسقط السماء} أي نفسها {كما زعمت} فيما تتوعدنا به {علينا كسفاً} أي قطعاً جمع كسفه وهي القطعة، ويجوز أن يكون المراد بذلك الحاصب الآتي من جهة العلو وغيره مما توعدوا به في نحو قوله {أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} [الأنعام: 65] وتسمية ذلك سماء كتسمية المطر بل والنبات سماء...
{أو تأتي} معك {بالله} أي الملك الأعظم {والملائكة قبيلاً} أي إتياناً عياناً ومقابلة ينظر إليه لا يخفى على أحد منا شيء منه، وكان أصله الاجتماع الذي يلزم منه المواجهة بالإقبال...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أو أن يأخذهم بعذاب من السماء، فيسقطها عليهم قطعا كما أنذرهم أن يكون ذلك يوم القيامة! أو أن يأتي بالله والملائكة قبيلا يناصره ويدفع عنه كما يفعلون هم في قبائلهم!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قولهم: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً} انتقال من تحديه بخوارق فيها منافع لهم إلى تحديه بخوارق فيها مضرتهم، يريدون بذلك التوسيع عليه، أي فليأتهم بآية على ذلك ولو في مضرتهم. وهذا حكاية لقولهم كما قالوا. ولعلهم أرادوا به الإغراق في التعجيب من ذلك فجمعوا بين جعل الإسقاط لنفس السماء. وعززوا تعجيبهم بالجملة المعترضة وهي {كما زعمت} إنباء بأن ذلك لا يصدق به أحد. وعنوا به قوله تعالى: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء} [سبأ: 9] وبقوله: {وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم} [الطور: 44]، إذ هو تهديد لهم بأشراط الساعة وإشرافهم على الحساب. وجعلوا (من) في قوله تعالى: {كسفاً من السماء} [الطور: 44] تبعيضية، أي قطعة من الأجرام السماوية، فلذلك أبوا تعدية فعل {تسقط} إلى ذات السماء. واعلم أن هذا يقتضي أن تكون هاتان الآيتان أو إحداها نزلت قبل سورة الإسراء وليس ذلك بمستبعد.
و « الكسف» بكسر الكاف وفتح السين جمع كسْفة، وهي القطعة من الشيء مثل سِدرة وسدر. وكذلك قرأه نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، وأبو جعفر. وقرأه الباقون بسكون السين بمعنى المفعول، أي المكسوف بمعنى المقطوع.
والزعم: القول المستبعد أو المحال.
والقبيل: الجماعة من جنس واحد. وهو منصوب على الحال من الملائكة، أي هم قبيل خاص غير معروف، كأنهم قالوا: أو تأتي بفريق من جنس الملائكة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«قبيل» تعني في بعض الأحيان «الكفيل والضامن»، وتعني في أحيان أُخرى الشيء الذي يوضع قبال الإِنسان وفي مُواجهته، وقال بعضهم بأنّها جمع (قبيلة) أي الجماعة مِن الناس. وطِبقاً للمعنى الأوّل يكون معنى الآية أن تأتي بالله والملائكة كضامنين على صدقك! وأمّا طِبقاً للمعنى الثّاني فيكون المعنى أن تأتي بالله والملائكة وتضعهما في مقابلنا! وأمّا طِبقاً للمعنى الثّالث فيكون معنى الآية أن تأتي بالله والملائكة على شكل مجموعة مجموعة!... ويجب الانتباه إلى أنَّ هذه المفاهيم الثلاثة لا تتعارض فيما بينها، ويمكن أن تكون مجتمعة في مفهوم الآية...