الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا} (92)

قوله تعالى : { أَوْ تُسْقِطَ } : العامَّةُ على إسناد الفعل للمخاطب . و " السماءَ " مفعولٌ بها . ومجاهد على إسنادِه إلى " السماء " فَرَفْعُها به .

قوله : " كِسْفاً " قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ وعاصمٌ هنا بفتح السين ، وفَعَل ذلك حفصٌ في الشعراء وفي سبأ . والباقون بسكونها في المواضعِ الثلاثةِ . وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم بلا خلافٍ ، وهشامٌ عنه الوجهان ، والباقون بفتحها .

فمَنْ فتح السينَ جعله جمعَ كِسْفة نحو : قِطْعَة وقِطَع ، وكِسْرة وكِسَر ، ومَنْ سَكَّن جعله جمع كِسْفَة أيضاً على حَدِّ سِدْرة وسِدْر ، وقَمْحة وقَمْح .

وجوَّز أبو البقاء فيه وجهين آخرين ، أحدُهما : أنه جمعٌ على فَعَل بفتح العينِ ، وإنما سُكِّن تخفيفاً ، وهذا لا يجوز لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ يحتملُها حرفُ العلة ، حيث يُقَدَّر فيه غيرُها فكيف بالحرف الصحيح ؟ . قال : " والثاني : أنه فَعْل بمعنى مَفْعول " كالطَّحْن بمعنى مَطْحون ، فصار في السكون ثلاثةُ أوجهٍ .

وأصل الكَسْفِ القَطْع . يقال : كَسَفْتُ الثوبَ قطعتُه . وفي الحديثِ في قصة سليمان مع الصافنات الجياد : أنه " كَسَفَ عراقيبَها " أي : قطعها . وقال الزجاج " كَسَفَ الشيء بمعنى غَطَّاه " . وقيل : ولا يُعرفُ هذا لغيرِه .

وانتصابُه على الحالِ ، فإنْ جَعَلْناه جمعاً كان على حَذْفِ مضافٍ ، أي : ذات كِسَفٍ ، وإنْ جعلناه فِعْلاً بمعنى مَفْعول لم يَحْتَج إلى تقدير ، وحينئذ فيقال : لِمَ لَمْ يؤنَّث ؟ ويجاب : بأنَّ تأنيثَ السماء غيرُ حقيقي ، أو بأنها في معنى السقف .

قوله : " كما زَعَمْتَ " نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، أي : إسقاطاً مثلَ مَزْعُومِك ، كذا قدَّره أبو البقاء .

قوله : " قَبِيْلاً " حالٌ من " الله والملائكة " أو مِنْ أحدِهما ، والآخرُ محذوفةٌ حالُه ، أي : بالله قبيلاً والملائكةِ قبيلاً . كقوله :

. . . . . . . . . . . . . . كنتُ منه ووالدي *** بريئاً . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ وكقولِهِ ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فإنِّي وقَيَّارٌ بها لغريبُ

ذكرَه الزمخشريُ ، هذا إذا جَعَلْنا " قبيلاً " بمعنى كفيلاً ، أي : ضامِناً ، أو بمعنى معايَنة كما قاله الفارسيُّ . وإنْ جعلناه بمعنى جماعةً كان حالاً من " الملائكة " .

وقرأ الأعرج " قِبَلاً " من المقابلة .