مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا} (92)

وثالثها : قولهم : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ ابن عامر كسفا بفتح السين ها هنا وفي سائر القرآن بسكونها ، وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم ها هنا ، وفي الروم بفتح السين ، وفي باقي القرآن بسكونها ؛ وقرأ حفص في سائر القرآن بالفتح إلا في الروم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي في الروم بفتح السين ، وفي سائر القرآن بسكون السين ، قال الواحدي رحمه الله { كسفا } ، فيه وجهان من القراءة سكون السين وفتحها ، قال أبو زيد يقال : كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا ، وقال الليث : الكسف ، قطع العرقوب ، والكسفة : القطعة ، وقال الفراء : سمعت أعرابيا يقول لبزاز : أعطني كسفة : يريد قطعة ، فمن قرأ بسكون السين احتمل قوله وجوها ، أحدها : قال الفراء أن يكون جمع كسفة مثل : دمنة ودمن وسدرة وسدر . وثانيها : قال أبو علي : إذا كان المصدر الكسف ، فالكسف الشيء المقطوع كما تقول في الطحن والطبخ السقي ، ويؤكد هذا قوله : { وإن يروا كسفا من السماء ساقطا } وثالثها : قال الزجاج : من قرأ : { كسفا } كأنه قال أو يسقطها طبقا علينا واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته ، وأما فتح السين فهو جمع كسفة مثل قطعة وقطع وسدرة وسدر ، وهو نصب على الحال في القراءتين جميعا كأنه قيل أو تسقط السماء علينا مقطعة .

المسألة الثانية : قوله : { كما زعمت } فيه وجوه . الأول : قال عكرمة كما زعمت يا محمد أنك نبي فأسقط السماء علينا . والثاني : قال آخرون كما زعمت أن ربك إن شاء فعل . الثالث : يمكن أن يكون المراد ما ذكره الله تعالى في هذه السورة في قوله : { أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا } فقيل اجعل السماء قطعا متفرقة كالحاصب وأسقطها علينا . ورابعها : قولهم : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } وفي لفظ القبيل وجوه . الأول : القبيل بمعنى المقابل كالعشير بمعنى المعاشر ، وهذا القول منهم يدل على جهلهم حيث لم يعلموا أنه لا يجوز عليه المقابلة ويقرب منه قوله : { وحشرنا عليهم كل شيء قبلا } والقول الثاني : ما قاله ابن عباس يريد فوجا بعد فوج . قال الليث وكل جند من الجن والإنس قبيل وذكرنا ذلك في قوله : { إنه يراكم هو وقبيله } القول الثالث : إن قوله { قبيلا } معناه ها هنا ضامنا وكفيلا ، قال الزجاج : يقال قبلت به أقبل كقولك كفلت به أكفل ، وعلى هذا القول فهو واحد أريد به الجمع كقوله تعالى : { وحسن أولئك رفيقا } والقول الرابع : قال أبو علي معناه المعاينة والدليل عليه قوله تعالى : { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا }