روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا} (92)

{ أَوْ تُسْقِطَ السماء } الجرم المعلوم { كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } جمع كسفة كقطعة وقطع لفظاً ومعنى وهو حال من السماء والكاف في { كَمَا } في محل النصب على أنه صفة مصدر محذوف أي إسقاطاً مماثلاً لما زعمت يعنون بذلك قوله تعالى : { أَوْ تُسْقِطَ * عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ السماء } وزعم بعضهم أنهم يعنون ما في هذه السورة من قوله تعالى : { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } [ الإسراء : 68 ] وليس بشيء ، وقيل : أن المعنى كما زعمت أن ربك إن شاء فعل وسيأتي ذلك أن شاء الله تعالى في خبر ابن عباس ، وقرأ مجاهد { فِى السماء } بياء الغيبة ورفع { السماء } وقرأ ابن كثير . وأبو عمرو . وحمزة . والكسائي . ويعقوب { كِسَفًا } بسكون السين في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة ونافع . وأبو بكر في غيرهما . وحفص فيما عدا الطور في قول . وفي النشر إنهم اتفقوا على إسكان السين في الطور وهو إما مخفف من المفتوح لأن السكون من الحركة مطلقاً كسدر وسدر أو هو فعل صفة بمعنى مفعول كالطحن بمعنى المطحون أي شيئاً مكسوفاً أي مقطوعاً { أَوْ تَأْتِىَ بالله والملئكة قَبِيلاً } أي مقابلا كالعشير والمعاشر وأرادوا كما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عياناً وهذا كقولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] وفي رواية أخرى عن الحبر والضحاك تفسير القبيل بالكفيل أي كفيلاً بما تدعيه يعنون شاهداً يشهد لك بصحة ما قلته وضامناً يضمن ما يترتب عليه وهو على الوجهين حال من الجلالة وحال الملائكة محذوفة لدلالة الحال المذكورة عليها أي قبلاء كما حذف الخبر في قوله :

ومن يك أمسى في المدينة رحله . . . فإني وقيار بها لغريب

وذكر الطبرسي عن الزجاج أنه فسر قبيلاً بمقابلة ومعاينة ، وقال إن العرب تجريه في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فلا تغفل ، وعن مجاهد القبيل الجماعة كالقبيلة فيكون حالاً من الملائكة ، وفي «الكشف » جعله حالاً من الملائكة لقرب اللفظ وسداد المعنى لأن المعنى تأتي بالله تعالى وجماعة من الملائكة لا تتي بهما جماعة ليكون حالاً على الجمع إذ لا يراد معنى المعية معه تعالى ألا ترى إلى قوله سبحانه حكاية عنهم { أَوْ نرى رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] والقرآن يفسر بعضه بعضاً انتهى . وقرأ الأعرج { قُبُلاً } من المقابلة وهذا يؤيد التفسير الأول .