يقابله يوسف بالصفح والعفو وإنهاء الموقف المخجل . شيمة الرجل الكريم . وينجح يوسف في الابتلاء بالنعمة كما نجح من قبل في الابتلاء بالشدة . إنه كان من المحسنين .
( قال : لا تثريب عليكم اليوم . يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين ) . .
لا مؤاخذة لكم ولا تأنيب اليوم . فقد انتهى الأمر من نفسي ولم تعد له جذور . والله يتولاكم بالمغفرة وهو أرحم الراحمين .
{ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } يقول : لا تأنيب عليكم ولا عَتْب عليكم اليوم ، ولا أعيد{[15286]} ذنبكم في حقي بعد اليوم .
ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال : { يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
قال السدي : اعتذروا إلى يوسف ، فقال : { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } يقول : لا أذكر لكم ذنبكم .
وقال ابن إسحاق والثوري : { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ [ الْيَوْمَ ] } {[15287]} أي : لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم { يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ } أي : يستر الله عليكم فيما فعلتم ، { وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال يوسف لإخوته : لا تَثْرِيبَ يقول : لا تغيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحُرْمة وحقّ الأخوّة ، ولكن لكم عندي الصفح والعفو .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُم لم يثرّب عليهم أعمالهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزّبير ، قوله : لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ قال : قال سفيان : لا تغيير عليكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ : أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : اعتذروا إلى يوسف ، فقال : لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يقول : لا أذكر لكم ذنبكم .
و قوله : يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم ، يقول : عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم ، فستره عليكم وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ يقول : والله أرحم الراحيم لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : يَغْفُر اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمينَ حيث اعترفوا بذنبهم .
وقوله : { لا تثريب عليكم } عفو جميل ، وقال عكرمة : أوحى الله إلى يوسف : بعفوك على إخوتك رفعت لك ذكرك ؛ وفي الحديث : أن أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية لما وردا مهاجرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عنهما لقبح فعلهما معه قبل ، فشق ذلك عليهما وأتيا أبا بكر فكلفاه الشفاعة ، فأبى ، وأتيا عمر فكذلك ، فذهب أبو سفيان بن الحارث إلى ابن عمه علي ، وذهب عبد الله إلى أخته أم سلمة ، فقال علي رضي الله عنه : الرأي أن تلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحفل فتصيحان به : { تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين } فإنه لا يرضى أن يكون دون أحد من الأنبياء فلا بد لذلك أن يقول : لا تثريب عليكما ، ففعلا ذلك ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تثريب عليكم } الآية{[6824]} .
والتثريب : اللوم والعقوبة وما جرى معهما من سوء معتقد ونحوه ، وقد عبر بعض الناس عن التثريب بالتعيير ، ومنه قول النبي عليه السلام : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب »{[6825]} ، أي لا يعير ، أخرجه الشيخان في الحدود .
ووقف بعض القرأة { عليكم } وابتدأ { اليوم يغفر الله لكم } ووقف أكثرهم : { اليوم } وابتدأ { يغفر الله لكم } على جهة الدعاء - وهو تأويل ابن إسحاق والطبري ، وهو الصحيح - و { اليوم } ظرف ، فعلى هذا فالعامل فيه ما يتعلق به { عليكم } تقديره : لا تثريب ثابت أو مستقر عليكم اليوم . وهذا الوقف أرجح في المعنى ، لأن الآخر فيه حكم على مغفرة الله ، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي .
لذلك أعلمهم بأن الذنب قد غفر فرفع عنهم الذم فقال : { لا تثريب عليكم } .
والتثريب : التوبيخ والتقريع . والظاهر أن منتهى الجملة هو قوله : { عليكم } ، لأن مثل هذا القول مِمّا يجري مجرى المثل فيُبنى على الاختصار فيكتفي ب { لا تثريب } مثل قولهم : لا بأس ، وقوله تعالى : { لا وزر } [ القيامة : 11 ] .
وزيادة { عليكم } للتأكيد مثل زيادة { لَك } بعد ( سقياً ورعياً ) ، فلا يكون قوله : { اليوم } من تمام الجملة ولكنه متعلق بفعل { يغفر الله لكم } .
وأعقب ذلك بأن أعلمهُم بأن الله يغفر لهم في تلك الساعة لأنها ساعة توبة ، فالذنب مغفور لإخبار الله في شرائعه السالفة دون احتياج إلى وحي سوى أن الوحي لمعرفة إخلاص توبتهم .
وأطلق { اليوم } على الزمن ، وقد مضى عند قوله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } في أول سورة العقود ( 3 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.