السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (92)

فكأنه قيل : ما قال لهم على قدرته وتمكنه مع ما سلف من إهانتهم له ؟ فقيل : { قال } لهم قول الكرام اقتداءً بإخوانه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام { لا تثريب } ، أي : لا لوم ولا تعنيف ولا هلاك { عليكم اليوم } وإنما خصه بالذكر ؛ لأنه مظنة التثريب فإذا انتفى ذلك فيه فما ظنك بما بعده ، ولما أعفاهم من التثريب كانوا في مظنة السؤال عن كمال العفو المزيل للعقاب من الله تعالى ، فاتبعه الجواب عن ذلك بالدعاء لهم بقوله : { يغفر الله } ، أي : الذي لا إله غيره { لكم } ، أي : ما فرط منكم ، وعبر في هذا الدعاء بالمضارع إرشاداً لهم إلى إخلاص التوبة ، ورغبّهم في ذلك ، ورجاهم بالصفة التي هي سبب الغفران ، فقال : { وهو } تعالى { أرحم الراحمين } لجميع العباد لاسيما التائب ، فهو جدير بإدراك النعم .

روي أنهم أرسلوا إليه إنك لتدعونا إلى طعامك وكرامتك بكرة وعشياً ونحن نستحي مما فرط منا ، فقال : إن أهل مصر ينظرونني وإن ملكت فيهم بعين العبودية فيقولون : سبحان من بلغ عبداً بعشرين درهماً ما بلغ ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي وأني من ذرية إبراهيم عليه السلام ،