الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (92)

{ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ } لا تأنيب عليكم ولا عتب . وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش . ومعناه : إزالة الثرب ، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع ، لأنه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال والعجف الذي ليس بعده ، فضرب مثلا للتقريع الذي يمزق الأعراض ويذهب بماء الوجوه . فإن قلت بم تعلق اليوم ؟ قلت : بالتثريب ، أو بالمقدر في { عَلَيْكُمْ } من معنى الاستقرار . أو بيغفر . والمعنى : لا أثر بكم اليوم ، وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب ، فما ظنكم بغيره من الأيام ، ثم ابتدأ فقال { يَغْفِرُ الله لَكُمْ } فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم . يقال : غفر الله لك ، ويغفر الله لك ، على لفظ الماضي والمضارع جميعاً ، ومنه قول المشمت «يهديكم الله ويصلح بالكم » و { اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ } بشارة بعاجل غفران الله ، لما تجدّد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم . وروي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح ، فقال لقريش : ما ترونني فاعلاً بكم ؟ قالوا : نظن خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ؛ وقد قدرت فقال : أقول ما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم . وروي : أنّ أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس : إذا أتيت الرسول فاتل عليه { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ } ففعل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« غفر الله لك ولمن علمك » ويروى أن إخوته لما عرفوه وأرسلوا إليه : إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية ، ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك ، فقال يوسف : إنّ أهل مصر وإن ملكت فيهم ، فإنهم ينظرون إليّ بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي . وأني من حفدة إبراهيم .